Author

صناعة البتروكيماويات والازدهار المنتظر

|
على الرغم من أن معظم دول العالم يضع أهدافا طموحة لتقليل الاعتماد على النفط والغاز، إلا أن كثيرين سيظلون يعتمدون عليهما لإنتاج المواد البتروكيماوية لعقود مقبلة. لذلك إزالة الكربون من عمليات النفط والغاز قد تصبح مفتاحا لنجاح الصناعة، حيث يسعى عديد من الحكومات إلى الحفاظ على تعهداتها المتعلقة بالمناخ مع الاستجابة أيضا للطلب العالمي المتزايد على الطاقة.
يشير تقرير حديث إلى أن حجم سوق البتروكيماويات سيصل إلى نحو تريليون دولار بحلول 2030، بمعدل نمو سنوي مركب CAGR يبلغ 6.2 في المائة على مدى الأعوام الثمانية المقبلة. ستتركز الزيادة في الطلب بشكل أساس حول صناعات: البناء، المنسوجات، الطبية، الصيدلانية والسلع الاستهلاكية والسيارات والإلكترونيات.
في الوقت الحاضر، يعد الإيثيلين والبروبيلين والبنزين من المواد البتروكيماوية الرئيسة المستخدمة في صناعات التعبئة والتغليف والإلكترونيات والبلاستيك والمطاط. يتم تصنيع معظم المنتجات البتروكيماوية باستخدام النفط والغاز الطبيعي، ما يجعل عديدا من الصناعات يعتمد بشكل كبير على القطاع النفطي. تعد دول مجلس التعاون الخليجي من كبار منتجي المواد البتروكيماوية في العالم، حيث بلغت طاقاتهم الإنتاجية مجتمعة نحو 175.4 مليون طن في 2020. وتصدرت المملكة دول المجلس في إنتاج البتروكيماويات بواقع 69.1 في المائة، وتلتها قطر بواقع 10.7 في المائة، ثم الإمارات وعمان بواقع 7.6 و7.5 في المائة على التوالي، ثم الكويت بنحو 4.4 في المائة. من المتوقع أن تهيمن منطقة آسيا والمحيط الهادئ على سوق البتروكيماويات خلال العقد المقبل بفضل السياسات التنظيمية القوية التي تدعم الصناعة. حيث إن زيادة إنتاج الغاز الطبيعي ستدعم تطوير صناعة البتروكيماويات.
تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يستمر الطلب العالمي على النفط الخام في الزيادة حتى 2025، قبل أن يتناقص بمعدل نمو سنوي مركب قدره 1 في المائة بين 2026 و2050. وتعتقد الوكالة أن استخدام النفط كمادة أولية للبتروكيماويات هو المجال الرئيس الذي سيشهد زيادة الطلب، حيث ستسهم سوق البتروكيماويات بنحو 55 في المائة من إجمالي نمو الطلب العالمي على النفط بحلول 2050.
في الوقت نفسه يمكننا أن نتوقع رؤية مزيد من إزالة الكربون في صناعة البتروكيماويات، حيث يسعى عديد من الدول إلى التقليل من الانبعاثات، ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار. وفقا لبعض الدراسات الحديثة، من المتوقع أن تكون هناك حاجة إلى نحو 760 مليار دولار لإزالة الكربون من القطاع من خلال تقنيات الكهرباء، واحتجاز الكربون وتخزينه CCS، وغيرها من الابتكارات الرئيسة.
في هذا الجانب، يوضح تقرير صدر أخيرا عن "بلومبيرج" لتمويل الطاقة الجديدة BNEF بعنوان «إزالة الكربون من البتروكيماويات، مسار صاف صفري»، كيف أن المسارات المنخفضة لصناعة البتروكيماويات ستظل أكثر تكلفة من إنتاج اليوم، على الرغم من حدوث انخفاض في تكاليف الإنتاج. وقد يؤدي ذلك إلى إدخال "علاوات خضراء" لتوفير حوافز قوية لاستبدال أو تقليل استخدام البلاستيك والمواد الكيميائية في الأسواق من خلال فرض التزامات صافي انبعاثات صفرية إلزامية.
وذكر التقرير أن التزامات الحكومات والشركات بصافي انبعاثات صفرية تدفع صناعة البتروكيماويات إلى خفض انبعاثاتها بحلول 2050. على الرغم من أن قطاع البتروكمياويات يواجه مسارا أكثر تعقيدا لإزالة الكربون من أي قطاع آخر، إلا أن أهداف صافي الانبعاثات للشركات البتروكيماوية تغطي قدرا أكبر من القدرة التصنيعية العالمية من صناعات ثقيلة أخرى ذات انبعاثات كبيرة، مثل الفولاذ والأسمنت.
يشير التقرير إلى أن الاستثمارات الكبيرة في التقنيات ستساعد الآن شركات النفط والغاز على البقاء مهيمنة بعد 2035. يمكن أن يساعد إنشاء عمليات منخفضة خلال العقد المقبل شركات النفط والغاز على الحفاظ على قدرتها التنافسية من خلال تقديم بدائل مبتكرة للمنتجات البتروكيماوية إلى السوق، حيث تصبح الطاقة المتجددة على نطاق واسع أكثر تكلفة.
بالفعل بدأت معظم شركات النفط والغاز الكبرى في إدخال تقنيات الاحتجاز وتخزينه في عملياتها، في محاولة لتعزيز موقعها في عالم يحاول الابتعاد تدريجيا بعيدا عن الوقود التقليدي في محاولة لإزالة الكربون. وتعد المملكة رائدة في هذا المجال. على الرغم من الآمال الكبيرة لمصادر الطاقة المتجددة، إلا أنه ليس هناك شك في أن الطلب العالمي المتزايد على الطاقة سيعني استمرار الاعتماد على النفط والغاز لعقود طويلة مقبلة حتى تصبح صناعة الطاقة المتجددة كبيرة بما يكفي لتلبية جزء مهم من هذه الاحتياجات.
في غضون ذلك، يبحث الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ IPCC عن أفضل طريقة لإزالة الكربون من صناعة الطاقة. حيث يعمل الفريق على مئات السيناريوهات المحتملة لتحقيق أهداف اتفاقية باريس للمناخ لـ2015، التي تهدف إلى خفض صافي الانبعاثات إلى الصفر بحلول 2050. ووجد الفريق أن استخدام تقنيات احتجاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه كانت الأكثر فاعلية.
على الرغم من أن تكلفة إزالة الكربون من صناعة البتروكيماويات تبدو كبيرة، إلا أنها في الواقع تصل إلى نحو 1 في المائة فقط من إجمالي 172 تريليون دولار اللازم لإزالته من قطاع الطاقة العالمي. يشير التقرير أيضا إلى أن صناعة النفط والغاز ستحتاج في المستقبل إلى الاستثمار في مصادر الطاقة البديلة للتصنيع الكيميائي، مثل الكتلة الحيوية والهيدروجين الأخضر.
من المتوقع أن تستمر صناعة البتروكيماويات في النمو بشكل كبير خلال العقدين المقبلين، مع استمرار زيادة الطلب العالمي على المنتجات البتروكيماوية. سيكون هذا محركا رئيسا للطلب العالمي على النفط والغاز على مدار الـ30 عاما المقبلة، حتى عندما نشهد انخفاضا تدريجيا في الاعتماد على النفط والغاز في التدفئة والنقل. ومع ذلك، في الوقت الذي تمارس فيه الحكومات ضغوطا على شركات النفط لإزالة الكربون من عملياتها، ستكون هناك حاجة إلى استثمارات كبيرة لإدخال احتجاز الكربون وتخزينه وتقنيات أخرى في المشاريع لضمان بقاء صناعة البتروكيماويات قائمة في عالم منخفض كربونيا.
إنشرها