Author

احتواء للأزمات وتنويع للإيرادات

|

يجري صندوق النقد الدولي بين فترة وأخرى زيارة عملية بإرسال بعثات رسمية من أجل طرح خطط وموضوعات وتصورات ومناقشات لبحث كيفية تطوير آليات ومؤشرات كل اقتصاد على حدة وتقييم أدائه، في محاولة منه لتعزيز الاستقرار المالي والاقتصادي والتعاون في المجال النقدي على مستوى دول العالم.
وجاءت زيارة خبراء صندوق النقد للسعودية، التي انتهت أمس، ضمن إطار المشاورات السنوية التي تتطلبها المادة الرابعة من نظام الصندوق. وتنص المادة الرابعة من اتفاقية تأسيس الصندوق على أن تعقد مناقشات ثنائية مع الدول الأعضاء عادة سنويا، لجمع المعلومات الاقتصادية والمالية، ومناقشة المسؤولين عن التطورات والسياسات الاقتصادية للدولة. وعند العودة إلى مقر الصندوق، يعد الموظفون تقريرا يشكل أساسا للمناقشة من قبل المجلس التنفيذي.
ولا يمكن بناء صورة واضحة عن مضامين البيان التمهيدي ما لم تتم مقارنته بتقارير سابقة للصندوق عن الاقتصاد السعودي، فقد جاء تقرير زيارة 2016 مقلقا لعديد من المهتمين بالاقتصاد السعودي في ذلك الحين، نظرا إلى تزامنه مع تراجع حاد في أسعار النفط، وبدء انطلاق رؤية المملكة 2030 بما تضمنته في تلك المرحلة من تنفيذ عدد من الإجراءات الشجاعة لتحقيق تحول وطني، وإعادة هيكلة الوزارات، وإنشاء هيئات مختلفة. وفي تلك المرحلة عكس تقرير مشاورات الصندوق تلك الحقائق وتأثير انخفاض الإيرادات النفطية بما أدى إلى حدوث عجز في الحساب الجاري والمالية العامة.
وتوقع خبراء حينها انخفاض نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي إلى 1.2 في المائة. وشهدت تلك المرحلة المهمة إشادة الصندوق بخطط وسياسات المالية العامة في المملكة والجهود التي يتم بذلها للتكيف مع هبوط أسعار النفط، وضبط الإنفاق الحكومي، وآليات تعزيز المساءلة ووضع مؤشرات أداء رئيسة، وإخضاع المشاريع الرأسمالية الجديدة لدرجة أكبر من التدقيق.
وبالمقارنة، نجد أن البيان التمهيدي لخبراء الصندوق هذا العام، جاء مختلفا تماما ومشجعا رغم أن العالم أجمع في ظروف صحية وسياسية ذات أبعاد اقتصادية كثيرة وتأثير عميق، سواء في الإمدادات أو الأسعار.
ومن المؤكد أن أي دولة واجهت الظروف، التي واجهها اقتصاد السعودية خلال الفترة بين عامي 2015 و2017، ثم ما تبع ذلك من جائحة وما لحق بها من انهيار أسعار النفط بداية 2020، وتوقف سلاسل الإمداد بعدها، كل ذلك كان كفيلا ليتسبب في تباطؤ حاد لتلك الدولة في أحسن الأحوال، وما يواجهه عديد من دول مجموعة العشرين اليوم، لكن نتائج التقارير الدولية لهذا العام أكدت قوة اقتصاد السعودية ووضعها المالي، وأن الآفاق الاقتصادية إيجابية على المديين القريب والمتوسط، مع استمرار انتعاش معدلات النمو الاقتصادي، واحتواء التضخم، إضافة إلى تزايد قوة مركزها الاقتصادي الخارجي.
ووفقا للبيان التمهيدي، توقع الصندوق نمو إجمالي الناتج المحلي الإجمالي للمملكة 7.6 في المائة العام الحالي 2022، وارتفاع النمو غير النفطي إلى 4.2 في المائة، وزيادة فائض الحساب الجاري إلى 17.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وكذلك احتواء التضخم الكلي عند 2.8 في المائة في المتوسط.
وبمجرد مقارنة هذه الإحصائيات، التي وردت في بيان الصندوق 2016، تعد مقارنة واضحة الدلالة بما حققته من إنجازات وتطورات، فهذا الإنجاز ضخم بكل المقاييس عند النظر للظروف والتحديات التي مرت خلال الأعوام الماضية.
وأكد البيان التمهيدي أن المملكة نجحت في التعامل مع الجائحة، موضحا أنها في وضع موات يمكنها من تجاوز المخاطر التي تشكلها الحرب في أوكرانيا ودورة تشديد السياسة النقدية في الاقتصادات المتقدمة، وهذا يقدم دليلا إضافيا على نجاح الخطط الاقتصادية والتحولات التي تم تطبيقها وفقا لرؤية المملكة 2030، وتمثل نتائج مشجعة للمرحلة الأولى من مراحل تنفيذ الرؤية، بينما تنطلق السعودية بكل مؤسساتها للمرحلة الثانية، وهي مرحلة تسريع التنفيذ مع وعود بتحقيق التطلعات حتى قبل موعد استحقاقها الفعلي.
لقد كان أحد أهم تعليقات خبراء الصندوق عام 2016 يتعلق بحجم الودائع المصرفية، حيث أبدى الخبراء قلقا حينها من تراجع الودائع رغم أن ذلك لم يكن جوهريا، واليوم أكدت البعثة أن مستويات الربحية والسيولة والرسملة جيدة على مستوى النظام المصرفي، وفي وضع كهذا، فإن تأثير تشديد السياسة النقدية العالمية سيكون محدودا على نمو الائتمان وإجمالي الناتج المحلي غير النفطي، وإيجابيا في ربحية القطاع المصرفي، ولو أن هذا التشديد كان في ظروف 2016 لكان له أثر واضح، فالنشاط الاقتصادي اليوم في المملكة- ووفقا لرأي الخبراء- يشهد تحسنا قويا مدعوما بارتفاع أسعار النفط وتحقيق مستهدفات الرؤية. وللتأثير المحدود لتشديد الأوضاع العالمية بفضل مستويات الرسملة القوية التي يتمتع بها القطاع المصرفي، ومع جهود تطوير بيئة الأعمال وتبسيط القواعد التنظيمية ورقمنة العمليات الحكومية، وتحسين البنية التحتية والخدمات اللوجستية والترفيه والسياحة والتعدين، وأن هذه العوامل معا أسهمت في تحقيق النمو الإجمالي دفعة قوية- كما وصفها البيان التمهيدي- حيث بلغ 3.2 في المائة 2021، وانخفاض معدل البطالة إلى 11 في المائة، أي بتراجع قدره 1.6 نقطة مئوية عن 2020. ولم يغفل البيان جهود المملكة، فيما يتعلق بالسياسات المناخية، ومن ذلك الاستثمارات في إنتاج الهيدروجين الأزرق والأخضر، والاقتصاد الدائري للكربون.
وتقييما لهذه الإنجازات والحقائق ومقارنتها بالتحديات التي واجهت السعودية قبل انطلاق الرؤية، فإن ما حدث يمثل تجربة فريدة تستحق الوقوف عندها من كل المؤسسات الدولية، وما زالت الرؤية تعد المجتمع السعودي بكثير من الإنجازات وهي تمر الآن بمرحلة تسريع التنفيذ وبإشراف مباشر من قبل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، مهندس الرؤية وقائد التحول.

إنشرها