Author

نظام النقد العالمي والتقلبات الاقتصادية

|

اقتصادي في السياسات الاقتصادية وإدارة استراتيجيات الأعمال والشراكات الاستراتيجية.

تكمن مشكلة العالم الاقتصادية حاليا في انخفاض الإنتاج وزيادة المعروض النقدي، لأن بينهما علاقة متضادة، أي: إذا زادت الأموال بسبب سعر الفائدة المنخفضة زاد التضخم، وعند ارتفاع سعر الفائدة يقل الإنتاج بأنماط مختلفة، وتتراجع معه معدلات استثمار القطاع الخاص وترتفع تكاليف استخدام الأموال من المصارف على جميع القطاعات بلا استثناء، وهذا أمر هيكلي في النظام الاقتصادي الحالي وهو ما يفسر شدة الأزمات الاقتصادية، لأن الأموال أصبحت ثنائية الاتجاه بين المصارف والمستثمرين دون أن تكون هناك علاقة مباشرة بين المدخرين والمستثمرين في المشاريع الإنتاجية، وتحولت أموال المصارف الائتمانية وما يتبعها من تكاليف خدمة دين عند ارتفاع سعر الفائدة أمرا مربكا للحكومات والشركات لأنها ترفع التكاليف ومعدلات البطالة.
يعزى التضخم وشدة تقلبات الدورات الاقتصادية لطبيعة هيكل التمويل في النظام الاقتصادي العالمي الحالي كما ذكرنا سابقا، ورغم ذلك لا يمكننا الانفكاك عن هذا النظام النقدي ومنافعه من الناحية العملية، لكن من الناحية النظرية يمكن لصناع السياسات الاقتصادية الأكثر قدرة على توظيف الابتكارات المالية تصميم تمويل متعدد المستويات، ومن بينها العلاقة المباشرة بين المدخرين والمستثمرين دون الارتباط بالائتمان القائم على الفائدة عبر تشجيع وتحفيز نشوء علاقة إنتاجية بين المدخرين والمستثمرين، مثل إنشاء صناديق خاصة أو أوراق مالية مشابهة للصكوك الإسلامية الحالية دون سوق ثانوية ودون وجود ارتباط مباشر بسعر الفائدة الدوري، أي أننا بهذا النموذج جعلنا علاقة مباشرة بين المدخرين والمستثمرين على أساس الإنتاجية وتحقيق الأرباح.
تداعيات رفع سعر الفائدة واسعة وتختلف من اقتصاد لآخر، فالدول التي لديها قطاع خاص كبير تعاني ارتفاع معدلات البطالة بسبب تراجع الاستثمار من القطاع الخاص وارتفاع خدمة الدين، ولحسن الحظ أن دول الخليج يمكنها تفعيل دور السياسات المالية المعاكسة للسياسات النقدية وزيادة الإنفاق لمعالجة آثار ارتفاع سعر الفائدة ومنع انتشار البطالة، لكن وجود علاقة مباشرة بين المدخرين والمستثمرين للغايات الإنتاجية دون وسيط سعر الفائدة، يمكن أن يخفف نظريا شدة تقلبات دورات العالم الاقتصادية والتضخم وتثبيط النمو، وفي الوقت نفسه يحافظ على الوظائف ومستويات عالية من عدالة التوزيع في المجتمع التي تعد أكبر تحديات الاقتصاديين، ومن المكاسب أيضا سيتقلص عجز موازنة الدولة في المشاريع التي تستخدم هذا النموذج، لأنها لن تحتاج إلى الاقتراض بفائدة، ورغم تلك المكاسب لا يمكننا التوسع كثيرا في نموذج تشارك المدخرين والمستثمرين لأسباب هيكلية تتعلق بالنظام النقدي العام، لكن بمقدور النموذج تخفيف آثار دورات الأعمال التي تعتمد على الفائدة بشكل واسع مثل شركات القطاعات الأساسية والدفاعية وبعض مشاريع الدولة التي يمكن للمدخرين الانتظار لفترات طويلة نسبيا حتى يحققوا الأرباح من خلال تنفيذ مشاريع بنية تحتية أو مشاريع كبرى وتمرير الأرباح إلى المدخرين بدلا من تمرير الفوائد المضمونة.
إنشرها