Author

قوتان . . فردية وجماعية

|
يمكن التفاؤل نسبيا بأن السلوك الشرائي للمستهلك المنطلق من الوعي والاطلاع على مستجدات السوق نجح في إحداث بعض الفرق في السوق، ولعل الإعلام الرصين المتوازن جنبا إلى جنب مع الإعلام الجديد أسهما في إيصال صوت المستهلك ليس فقط للجهات المختصة، لكن أيضا للشركات التي كان بعضها ذكيا وتفاعلت إيجابا.
لا بد من الاعتراف أن جزءا من التضخم يرتبط بالظروف العالمية، لكن أيضا لا بد من الإقرار أن بعض التجار وبعض الشركات زادت الأسعار أكثر مما يجب أو مما يفرضه التضخم الحاصل عالميا أو الزيادات التي طرأت على الخدمات اللوجستية.
عندما تكون صاحب السوق الأكبر، والأرقام الأعلى في الاستهلاك يمكنك فرض شروطك كفرد إذا أحسنت التعامل مع الأوضاع، فإحدى الشركات الغذائية استشعرت الخسائر الكبيرة من ردة فعل المستهلكين من مواطنين ومقيمين، وأخبرتها لغة الأرقام أن المستهلك في السوق السعودية بات أكثر وعيا، وأكثر تفاعلا في الدفاع عن مصالحه.
يمكنني تسمية ذلك مجازا بقوة الفرد، وهذه التسمية خطرت لي وأنا أقرأ خبرا له علاقة بالغذاء عن إقرار الحكومة الإسبانية مشروع قانون يهدف إلى الحد من هدر الطعام من خلال فرض غرامات على المطاعم ومحال السوبر ماركت التي تخزن بقايا الطعام، على غرار تشريعات قائمة في فرنسا وإيطاليا. القانون يعد "أداة قانونية رائدة لمنع التبذير في السلسلة الغذائية، من المنتجين إلى المستهلكين، ما يؤدي إلى خسائر مالية ويؤثر في البيئة"، كما صرح المسؤولون هناك وهم يسعون إلى خفض 1.3 مليون طن من الطعام والشراب مهدرة في إسبانيا كل عام.
ربما يمكننا التفكير في نظام مماثل أو قريب منه ليصبح ما يمكنني تسميته "القوة الجماعية"، فمستويات الهدر لدينا تصل - حسب الإحصاء الرسمي المعلن - إلى أربعة ملايين طن سنويا بمعدل يزيد على 180 كيلوجراما للفرد الواحد.
الفائدة ليست فقط في عدم التبذير وهو واجب ديني، أو تقليل التأثير في البيئة وهو واجب أخلاقي إنساني، إنها أيضا ستنعكس على الأسعار بمعادلة بسيطة قوامها أن عدم الهدر يعني الشراء والاستهلاك بقدر الحاجة، وهذا سيعني انخفاضا في الطلب، وتراجعا للأسعار أو على الأقل الحد من بعض ارتفاعاتها الجنونية. حتى لو لم يصدر تشريع أو قانون، يمكنك وضع قانونك الشخصي، وتنفيذه، وكما نجح سلوكك الاستهلاكي في تراجع بعض التجار عن جشعهم، سينجح قانونك الشخصي الخاص بعدم الهدر في كبح جماح الاستهلاك، وبالتالي الأسعار أكثر فأكثر.
احسبها صح، ونفذها.
إنشرها