Author

أكبر المستفيدين من أسعار الطاقة

|
كثر الحديث عن أسعار النفط المرتفعة وتكاليفها الباهظة على المستهلكين. ويكيل كثير من السياسيين والإعلاميين الغربيين التهم لمنظمة "أوبك" بالاحتكار والوقوف حصريا وراء زيادة أسعار النفط، ويصورون أعضاءها كمستفيدين وحيدين من ارتفاعاته. في المقابل، يتم التغاضي بشكل متعمد عن الدول وقطاعات الطاقة الأخرى المستفيدة من تحسن الأسعار. صحيح أن تحسن أسعار النفط يصب في مصلحة الدول المصدرة للنفط، لكنها ليست الوحيدة ولا أكبر المستفيدات من ذلك. من ناحية أخرى، فإن اتهام "أوبك" كمجموعة بالاحتكار غير دقيق، حيث ينتج أعضاء المنظمة ثلث الإنتاج العالمي من النفط، بينما ينتج ثلثاه خارج الدول الأعضاء فيها. ولو تم ترتيب المستفيد من ارتفاع أسعار النفط "الطاقة على الأصح"، لكان قطاع الطاقة في الولايات المتحدة الأكبر بالقيم المطلقة.
تقف الولايات المتحدة على رأس قائمة منتجي النفط والغاز الطبيعي والطاقة النووية في العالم، وهي أكبر مصدر للمنتجات النفطية وسوائل الغاز الطبيعي، حتى مع حجم وارداتها الكبير من النفط الخام إلا أنها مصدر صاف له ولمنتجاته. وإذا استثني الفحم الحجري من قطاع الطاقة، فإن الولايات المتحدة تتربع على قائمة أعلى منتجي مصادر الطاقة الأولية في العالم، لهذا فإن قطاع الطاقة الأمريكي هو المستفيد الأكبر من زيادة أسعار الطاقة.
تتأثر أسعار مصادر ومنتجات الطاقة إيجابا وبشكل عام بأسعار النفط، فإذا ارتفعت أسعار النفط ارتفعت أسعار مصادر ومنتجات الطاقة الأخرى، وأهمها الغاز الطبيعي والفحم الحجري. ويرتبط عادة تسعير عقود الغاز الطبيعي بأسعار النفط، وقد تربط أسعار مصادر الطاقة الأخرى به. لهذا فإن ارتفاع أسعار النفط يرفع أسعار الطاقة بشكل إجمالي، ويعود بالفائدة على منتجي الطاقة العالمية في جميع أنحاء المعمورة. وارتفعت أسعار الغاز الطبيعي والفحم الحجري خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة بنسب تفوق كثيرا نسب ارتفاع أسعار النفط.
تدعم صناعة الطاقة الأمريكية الاقتصاد الأمريكي، حيث تعد أكبر صناعة في البلاد وتسهم بشكل ملحوظ في الناتج المحلي للولايات المتحدة. تولد قطاعات إنتاج الطاقة الأولية وظائف بأجور أعلى من المتوسط العام للأجور وبنسب لا يستهان بها، وتحسن بذلك الأوضاع المعيشية لأسر كثيرة. وتفيد مصادر معهد البترول الأمريكي بأن قطاعي النفط والغاز الأمريكيين يولدان فيهما وفي قطاعات الأخرى ما يزيد على عشرة ملايين وظيفة، كما يسهمان بشكل مباشر وغير مباشر بنسبة 8 في المائة من الناتج المحلي الأمريكي أو ما يقارب تريليوني دولار. من جانب آخر، تخضع قطاعات الطاقة، وخصوصا النفط ومنتجاته، لكثير من الضرائب الفيدرالية والمحلية، وتسهم بذلك في توفير موارد ضخمة للحكومات تمكنها من تقديم خدمات عامة أكثر. ولا تقتصر ضرائب الطاقة المفروضة على استهلاكها فقط، لكن يخضع منتجوها لضرائب مرتفعة نسبيا مقارنة بالقطاعات الأخرى.
تقود صناعة النفط والطاقة الأمريكية العملاقة كافة الصناعات الأمريكية في عائدات الاستثمار الخارجي. وتفوق عائدات شركات النفط والغاز الأمريكية الخارجية 100 مليار دولار سنويا، حسب تقديرات إدارة الضرائب الأمريكية، وذلك قبل ارتفاع الأسعار الأخير. ومن المعلوم أن شركات النفط والغاز الأمريكية تتمتع - منذ عقود - بنفوذ واسع عبر العالم، وتشارك في عمليات إنتاج وتصنيع الطاقة في أصقاع المعمورة، كما أنها تملك تفوقا تقنيا يمكنها من الاستمرار في ريادة أنشطة الطاقة العالمية.
تأتي الصين على رأس قائمة منتجي ومستهلكي الطاقة في العالم حاليا، وذلك يعود بشكل رئيس لإنتاجها أقل بقليل من نصف إنتاج العالم من الفحم الحجري، واستهلاكها ما يزيد قليلا على نصف إنتاج العالم منه. ونظرا لكون أسعار الفحم منخفضة مقارنة بأسعار الطاقة الأخرى، فإن قيمة إنتاج أمريكا من الطاقة تفوق كثيرا قيمة إنتاج الصين منها. وهنا ينبغي التنويه بأن معظم البيانات الواردة عن مساهمة إنتاج الطاقة في الولايات المتحدة في الناتج المحلي الأمريكي وعوائد شركات الطاقة العالمية الخارجية هي بيانات لما قبل القفزة الأخيرة لأسعار الطاقة.
ومن شبه المؤكد أن قيمة الإنتاج الأمريكي من الطاقة قد ارتفعت كثيرا بعد الزيادات الكبيرة المسجلة أخيرا في أسعارها. وهذا يصب في مصلحة قطاع الطاقة الأمريكي ويرفع إسهامه في الناتج المحلي الأمريكي، كما يضخم كثيرا عوائد شركات الطاقة الأمريكية الخارجية وحجم الضرائب التي تدفعها للحكومة الأمريكية بكافة أفرعها الفيدرالية والمحلية وحكومات الولايات. كما ينبغي أن نتذكر أن زيادة أسعار الطاقة تجذب مزيدا من الاستثمارات للقطاع وتحفز إسهامه في نمو الناتج المحلي والعوائد الخارجية والضرائب وكذلك أجور عمالته. ويعود جزء لا يستهان به من نمو الاقتصاد الأمريكي خلال الأعوام الأخيرة إلى نمو قطاع الطاقة.
يتحمل المستهلك معظم التكاليف الإضافية من ارتفاع الأسعار، لكنها تذهب إلى منتجي الطاقة وتعود للاقتصاد المحلي، كما تتحصل أمريكا على عوائد طاقة أكثر من الخارج تدعم ميزانيها التجاري والجاري.
إنشرها