Author

سوق تتطور بنمو وطلب

|

لا يبدو أن هناك حدودا لتعاظم صناعة البطاريات بأنواعها، ولا سيما تلك القابلة لإعادة الشحن. فحتى البطاريات التي تستخدم لمرة واحدة شهدت توسعا في أسواقها خلال العقود الماضية، ولا تزال تتمتع بنمو مميز رغم النواحي السلبية لها على صعيد البيئة، في وقت يسعى العالم إلى الحد من الآثار السلبية التي تستهدف المناخ عموما.
فمستقبل سوق البطاريات واعد بشكل مستمر ومتسعة أبوابه في الوقت نفسه، الأمر الذي يفسر التدفقات الاستثمارية إليها في أغلب الدول، ولا سيما المتقدمة منها. وتساعد في ذلك الابتكارات المتواصلة التي تسهم في تخفيف الانعكاسات السلبية لهذه الصناعة على البيئة، كما أنها تخفض تكاليف الإنتاج، مع الانتشار الواسع للاعتماد على هذا النوع من مصادر الطاقة. والبطاريات لا تقتصر فقط على الأجهزة الإلكترونية المختلفة والسيارات الكهربائية التي تنتشر بسرعة فائقة، بل تشمل أيضا تزويد بعض المناطق النائية حول العالم بالطاقة من خلالها.
ووفق آخر التوقعات، فإن سوق البطاريات العالمية ستسجل معدل نمو سنوي مركب بنسبة 15.8 في المائة خلال الفترة الواقعة بين 2022 و2027، ليصل إلى أكثر من 250 مليار دولار بحلول 2027، مرتفعا من 99 مليار دولار عام 2020. وهذا نمو كبير، يدعم التحولات الراهنة على صعيد التعاطي مع مصادر الطاقة. ففي الأعوام القليلة الماضية ارتفع حجم سوق السيارات الكهربائية بمعدلات كبيرة، خصوصا في ظل الإنجازات التقنية المتطورة على صعيد صناعة البطاريات، ولا سيما تلك التي تعمل بالليثيوم. وقبل أعوام، أوقفت شركة فولفو السويدية لصناعة السيارات إنتاجها من المركبات التي تعمل بالوقود العادي، وانضمت شركات عالمية معروفة إليها عبر تخصيص خطوط متنامية لهذا النوع من السيارات، الأمر الذي رفع الطلب على البطاريات المشغلة لها. علما بأن السوق تأثرت سلبا "كغيرها من الأسواق" بانتشار جائحة كورونا.
والعامل الأهم الذي يجعل صناعة البطاريات تنمو بتماسك قوي، بقاء الطلب عليها في الأسواق المتقدمة والناشئة على حد سواء. ولأن الأمر كذلك، فإن سوق البطاريات تواجه مشكلة تتعلق بسعة تعدين الليثيوم، ما قد يسبب نقصا واضحا في حال استمر ارتفاع الطلب. وتؤكد شركة ريستاد إنيرجي لأبحاث الطاقة، إمكانية حدوث عجز في المعروض من الليثيوم بحلول 2027، ما يرفع الضغوط على السوق عموما، رغم ارتفاع مستوى الاستثمارات في هذا المجال في دول كالصين وألمانيا وغيرهما. حتى إن التوقعات تشير إلى تأخير إنتاج نحو 3.3 مليون سيارة كهربائية في غضون خمسة أعوام. ومن هنا يمكن فهم، التوجه العالمي لرفع زخم تصنيع البطاريات، خصوصا تلك المتطورة التي تتمتع بقدرة كبيرة على تخزين الطاقة، فضلا عن ميزات الشحن السريع لها.
بالطبع لا يزال الوقود العادي الذي تشغل به المركبات حول العالم الأقل تكلفة، ما يرفع من الضغوط على سوق البطاريات ليس فقط لزيادة معدلات الإنتاج، بل لخفض التكاليف أيضا. وهذه مهمة ليست سهلة، لأن أغلب الدول التي تستخرج الليثيوم لا تزال تواجه تكاليف باهظة في عمليات الاستخراج. لكن في النهاية، تبقى سوق البطاريات ميدانا واعدا مضمونا، لأن ذلك يحقق مجموعة من الأهداف في آن معا، في مقدمتها حماية المناخ التي صارت منذ أعوام محورا عالميا رئيسا. وكغيرها من الصناعات، لا بد أن تكون مرتفعة التكاليف في المراحل الأولى لها، إلا أنها ستصل إلى مستويات سعرية مقبولة في مرحلة لاحقة. فعلى سبيل المثال، تتمتع ألمانيا بثروة هائلة من الليثيوم تكفي لتصنيع 400 مليون بطارية للسيارات، وهذه المادة متوافرة في مناطق كثيرة من العالم، إلا أنها تتطلب تقنيات متطورة دائما لاستخراجها وتخفيف تكاليف إيصالها إلى السوق. وفي المحصلة الأخيرة، تبقى سوق البطاريات الميدان الأسرع نموا، والأكثر طلبا على منتجاته من كل الأنواع، بما فيها تلك التقليدية، التي لا تزال تمثل محورا أساسيا في الاستخدامات المختلفة لها.

إنشرها