Author

التواصل من «سناب» إلى التخاطر

|
​الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، والتواصل يوفر له الأمان والراحة والترفيه، لذلك دأب الإنسان على البحث عن أسهل الطرق للتواصل مع الآخرين، سواء بالرسومات أو الأحاديث المباشرة، أو بالتواصل من خلال وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة التي طغت على حياة الإنسان واستحوذت على جانب كبير من وقته، بسبب سهولة استخدامها وانخفاض تكاليفها وانشغال الناس وتباعدهم الجغرافي، وبالتالي صعوبة التواصل فيما بينهم جسديا، ما يتطلب اللجوء إلى هذه الوسائل! وبالطبع لكل شيء ثمنه، فلم تأت هذه الوسائل دون تضحيات وسلبيات، لكن الإيجابيات في ظني أكثر بكثير من تأثيراتها السلبية.
​واستكمالا لمقال الأسبوع الماضي تطور التواصل الاجتماعي، فمع التطور التقني الهائل، وخاصة في مجالات الذكاء الاصطناعي، تبرز في أذهان كثيرين تساؤلات عن: وماذا بعد؟ أي كيف سيكون نمط التواصل الاجتماعي بين الناس بعد عقدين أو ثلاثة مثلا؟ هناك من يعتقد أن التخاطر Telepathy ربما يكون هو القفزة المنتظرة، ولو أن التخاطر لا يزال وسيبقى إلى حين مجالا خصبا للجدل ما بين فريق يؤمن بوجوده كظاهرة نفسية، تؤيد وجوده قصص وروايات وتراث تتناقله الأجيال، وفريق آخر لا يرى فيه سوى الأوهام البعيدة عن المعرفة العلمية، والأقرب إلى الخيال العلمي. لكن ما أكثر الأمور التي كان الناس ينظرون إليها على أنها من نسج الخيال العلمي، ثم أصبحت حقيقة نعيشها مثل: غزو الكواكب، وشبكة الإنترنت وتطبيقاتها المتعددة والمذهلة، وكذلك الذكاء الاصطناعي وما أنتجه من أجهزة ومخترعات تتفوق على الإنسان في دقة التنفيذ وسرعته.
​وبصرف النظر عن مدى التأييد لمفهوم "التخاطر" أو عدمه، فإن مزيدا من المعلومات عن ماهية التخاطر سيكون مفيدا. والتخاطر هو القدرة على انتقال معلومات بين عقل إنسان وآخر، سواء كانت أفكارا أو مشاعر أو صورا ونحوها، دون الاعتماد على وسائل حسية أو مادية مباشرة، أي دون استخدام الحديث أو القراءة أو الإشارات، وعلى بعد مسافات شاسعة. وينظر البعض إلى التخاطر على أنه ما يعرف بالحاسة السادسة أو الإدراك خارج الحواس الخمس. وعلى الرغم من وجود دراسات قام بها بعض المتخصصين في علم النفس عن هرمونات معينة تعزز القدرة على تفسير الإشارات الاجتماعية والمشاعر ونيات الآخرين، ومع وجود تجارب كثيرة أجريت في هذا المجال، إلا أن كثيرا منها يفتقر إلى الضبط المنهجي الرصين، ما يثير حولها بعض التساؤلات في الوقت الحاضر.
​ولعل القصة المعروفة عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - تدخل ضمن إطار التخاطر، وتقول القصة إن عمرا - رضي الله عنه - أرسل جيشا إلى بلاد الشام بقيادة سارية، وبعد وصول الجيش إلى الشام، صرخ أمير المؤمنين فجأة، وهو في المدينة المنورة "يا سارية الجبل.. يا سارية الجبل.. يا سارية الجبل"، وحينها سمع سارية صوت عمر بن الخطاب يرشده للتوجه إلى الجبل القريب، ما أدى إلى النجاة من الأعداء وهزيمتهم. والروايات كثيرة في مجال توارد الأفكار والمشاعر بين الأشخاص الذين تربطهم محبة وتعلق روحي كبير.
​ومن المؤكد أن التقنيات لن تقف عند حدود، بل ستفتح آفاقا لم تخطر على البال، وبناء على هذه القاعدة لا يمكن لعاقل أن يستبعد بالكامل اكتشاف سبل نوعية للتواصل البشري أو حتى ولادة لغة جديدة أو استخدام أجهزة متناهية الصغر تزرع في أجساد الناس، تعطي صورا مجسمة "هولوجرام"، وتسهل نوعا من التخاطر بين البشر، وبدأت بالفعل إرهاصات ذلك تبرز في الساعات الذكية، ونظارات الواقع المدمج، وتقنيات الواقع المعزز.
إنشرها