Author

أسئلة الغلاء

|
حديث الغلاء وارتفاع الأسعار ليس حديث الشارع السعودي فقط، إنه حديث الشارع العالمي إن صح الوصف، الكل يشتكي منه لعدة أسباب بعضها من بقايا الجائحة، وبعضها الآخر من نتائج الأوضاع الحربية أو ما يسميها المحللون "الجيوسياسية"، وبعضها للحروب الاقتصادية الخفية أو المعلنة بين أطراف معينة، وربما بعضها لبعض السلع والخدمات غير معروف الأسباب.
على المستوى الاتصالي والتحليل الشخصي نجح الأفراد أكثر من التجار والشركات في إيصال رسائلهم، أي تحقيق الانتشار لها حتى لو يكن هناك "قياس أثر" دقيق، ونجح من التجار والشركات من "صمت" في هذه المرحلة، وكأن غضبة التنفيس في المجالس الواقعية، وتلك الافتراضية لا تعنيه وإنما المقصود بها المنافس الذي رفع السعر أكثر منه، وتحليلي الانطباعي أخذته من منتج غذائي واحد هو البيض.
إذا صحت قصة المدينة السعودية التي نجح سكانها في تخفيض سعر البيض لأنهم توقفوا عن شرائه لأسبوع أو اثنين، فما الذي يمنع بقية سكان بقية المدن من أن يفعلوا مثلهم؟ هل هي الثقافة الغذائية المختلفة من منطقة إلى أخرى؟ أم هي الثقافة الاقتصادية الشخصية والتعامل الواقعي مع الحدث؟ أم أنها سمة اجتماعية تختص بها بعض المجموعات التي يمكنها بسهولة التكيف أسرع من غيرها، أو لا شيء من ذلك؟
إذا لم تصح هذه القصة، فمن الذي استلهمها، ومن أين؟ ولماذا اختار هذه المدينة، وكيف تقبلها الرأي العام، ولماذا لم ينفها أهلنا وأحبابنا هناك؟
السؤال الأهم، لماذا دائما هو الخيار بين المقاطعة الكلية، أو عدم المقاطعة؟ لماذا لا يكون هناك مقاطعة جزئية، تقليص شراء البيض ـ وهو هنا مثال لانتشار قصته شعبيا ـ والتقليل من أكله، وتذكر أنه لم يكن يوما جزءا من ثقافتنا وإرثنا الغذائي، بل تذكر أنه إلى وقت ليس ببعيد جدا لا يشتري أحد البيض لأن أكثر المنازل تنتجه ذاتيا!
إبداء الرأي في موضوع يمس حياة الإنسان مثل الغذاء مهم، لكن الأهم من وجهة نظري هو الموضوعية، وهي هنا تعني تحديدا تجاوز المعتاد اليومي لأن الوضع من حولنا ليس على حاله المعتاد يوميا، ثم بعد ذلك ستجد التجار والشركات يتنازلون عن هوامش أرباحهم المعتادة يوميا من البيض لإدراكهم أنك أدركت الواقع وتتعامل معه بحذر.
لا يمكن أن تستمر حياة المرء في الأزمات كما هي في الرخاء، ولا يمكن أن تحدث أزمة مثل هذه ولا يتساءل الإنسان عن "التكيف" المرحلي المطلوب منه، وعن طرح الأسئلة على نفسه والإجابة عنها عمليا وليس نظريا.
إنشرها