رأسمالية عالمية جديدة غير مركزية
ارتبطت الرأسمالية الحديثة بالنظام الاقتصادي الغربي، الذي يقوم على الأسواق المؤطرة بالمنافسة، العملية الاقتصادية يقوم بها القطاع الخاص بالأموال التحفيزي، وفي الوقت نفسه، تعيد الأسواق التوازن لذاتها تلقائيا عبر حركتي الفائدة والتضخم، ورغم التحديات فإن الرأسمالية الحديثة نجحت في دفع النمو الاقتصادي للعقود الماضية، لكنها لم تعالج مشكلتي عدالة التوزيع وتكافؤ الفرص بين العاملين في الاقتصاد، إضافة إلى أنها لم تخفف من الطبقية الاقتصادية والاجتماعية.
علاوة على ذلك: نما اقتصاد العالم غير الحقيقي، أي المالي: بمعدلات أكبر من الاقتصاد الحقيقي الإنتاجي، كما أن ديون الشركات والدول بلغت مستويات قياسية لا تزال تنذر بوجود مشكلة في جذر النظام نفسه، كما أن بعض الدول تلاعبت بسعر صرف عملتها الوطنية وسعرت عملتها بشكل مصطنع، لم يعكس الواقع الذي يتعين أن تعكسه حركة ميزان المدفوعات بما في ذلك ميزان التجارة، الذي يعد الأهم في هذا الجانب.
خلاصة ما سبق: أن الاقتصاد العالمي الحالي وبنموذج الرأسمالية الحديثة يقوم على أساس نقدي وجذره ونواته الحيوية - إن صح التعبير - التحكم في النقد من أمريكا بشكل مباشر، وأوروبا واليابان بشكل غير مباشر.
رغم أهمية الرأسمالية الحديثة في صناعة الثروات وإدارة النمو الاقتصادي العام، إلا أنها لم تعد كافية في ظل الجهود الحثيثة لاستصدار نظام نقدي عالمي جديد، أو ما يعرف بالعملات الرقيمة المشفرة للهروب من ادعاءات فشل البنوك المركزية وتبديد ثروات الناس، إضافة إلى الفقر وضعف عدالة التوزيع وتباين الطبقات الاجتماعية وصعوبة خروج الدول الفقيرة من فقرها مع كل صدمة أو حركة نقدية لسعر الفائدة.
إذا كانت روسيا والصين تلمحان إلى احتمالية نشوء نظام عالمي جديدة على المستوى الاقتصادي لتحقيق تلك الأهداف، فإنه لا يوجد نظام اقتصادي متكامل بديل للرأسمالية وأدواتها، ربما نرى ونقرأ عن أفكار ومبادرات، لكنها لا تزال فقيرة، ولا تصلح أن تكون أساسا لنظام اقتصادي عالمي.
أخيرا، وبالنظر إلى مدى إمكانية قيام نظام اقتصادي جديد كليا، لا يزال الأمر بعيدا ونحتاج إلى تطورات غير تقليدية، لكن يمكننا اللجوء إلى بعض الأفكار التوافقية بين دول العالم على أساس جغرافي إذا ما أردنا الخروج من قيام نظم اقتصادية على أنقاض حروب عالمية، فمثلا يمكننا الاعتماد على الرأسمالية الحديثة كنظام عالمي غير مركزي، أي بعيدة عن الفائدة الأمريكية من خلال قيام بنك مركزي واحد لكل قارة وعملة مشتركة للتجارة الدولية غير خاضعة لسيادة أي اقتصاد مع بقاء الأسواق والمنافسة كأسس للنظام وتحويل التمويل من نموذج نقدي يولد النقود إلى نموذج نقدي يتحمل المخاطر على أساس الربح والتنمية بهدف تحقيق ضرورات الاستقرارين الاقتصادي والاجتماعي، التي أخفقت الرأسمالية الحالية في تحقيقها، وتصميم أدوات اقتصادية تمنع تفوق حجم الأموال على حجم السلع والأصول عالميا.