تصميم واستخدام الأوراق النقدية الجديدة
رغم أن العملة الرقمية ربما تتصدر العناوين الرئيسة في هذه الأيام، تجدر ملاحظة أن العملة المادية - الأوراق النقدية والعملات المعدنية - تشهد أيضا تطورات تكنولوجية في عديد من الدول بهدف تسليط الضوء غالبا على رسائل تسهم في معرفة قصص فريدة عن ثقافاتها أو بيئاتها.
ولنأخذ على سبيل المثال، الورقة النقدية المكسيكية من فئة 100 بيزو التي أعيد تصميمها أخيرا. لن نجد أي صورة لمؤسسين أوائل ذوي ملامح صارمة أو معالم أثرية مهیبة على هذه الورقة النقدية الغنية بالألوان، بل سنجد صورا لفراشات مهاجرة، ونظاما بيئيا للغابات المعتدلة وشاعرة رائدة من القرن الـ 17.
وقبل بضعة أعوام، قرر بنك المكسيك المركزي القيام بإعادة تصور تصاميم عملته الورقية الغنية بالألوان إلى جانب عملاته المعدنية. وأراد البنك أن يكون التصميم مبتكرا وأكثر تعبيرا عن التراث الثقافي والطبيعي للمكسيك. وأن يرمز إلى قصص أكثر شمولا عن البلد مع الاستفادة في الوقت نفسه من أحدث التكنولوجيات. وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2020، ظهرت لأول مرة الورقة النقدية من فئة 100 بيزو المصنوعة من البوليمر ذات التصميم العمودي واللونين الأحمر والأصفر النابضين بالحياة، وذلك ضمن سلسلة أوراق نقدية مصممة حديثا، وفي العام الماضي تم اختيارها "أفضل ورقة نقدية في العالم" من جانب جمعية الأوراق النقدية الدولية، وذلك للمرة الأولى في تاريخ المكسيك. ووفقا لبيان صادر عن الجمعية، "يمكن أن يشكل فوز المكسيك بالجائزة نموذجا للدول الأخرى عندما تعيد النظر في كيفية تصميم الأوراق النقدية الجديدة والتشجيع على استخدامها".
والورقة النقدية من فئة 100 بيزو هي أول ورقة نقدية في المكسيك مصنوعة من البوليمر وذات تصميم عمودي ولها خصائص تحول دون تزييفها وتساعد على سهولة استخدامها بما في ذلك: أولا، حبر يتغير لونه تدريجيا من الذهبي إلى الأخضر مع حركة الورقة. ثانيا، مساحة شفافة مزودة بخصائص أمنية بارزة وحبر معدني قزحي الألوان. ثالثا، تصميم يتم الكشف عنه بالحبر الفلوري تحت الأشعة فوق البنفسجية. ورابعا، حبر بارز.
تظهر على وجه الورقة النقدية المكسيكية من فئة 100 بيزو إشادة بسور خوانا إينيس دي لا كروز، إحدى أهم الكاتبات الرائدات في أمريكا اللاتينية، (1648 - 1695)، وهي شاعرة غزيرة الإنتاج وكاتبة مسرحية وفيلسوفة كتبت باللغات الإسبانية واللاتينية والناواتل. وسور خوانا "الأخت خوانا". المعروفة بدفاعها عن الفكر التنويري وثقافة الشعوب الأصلية، يشار إليها أحيانا بأنها رائدة الأدب المكسيكي وتعد أهم شاعرة وكاتبة في الأدب الإسباني الحديث، وذلك وفقا لما ذكره بنك المكسيك المركزي.
ويقول أليخاندرو أليجري، مدير إصدار العملة في البنك، إن صورة سور خوانا تظهر على العملة النقدية لكونها "امرأة مثقفة وقوية الإرادة حاربت الأعراف التي سادت في زمنها وحالت دون حصول المرأة على الثقافة وتمتعها بحرية الفكر لتصبح أعظم شخصية في الأدب الأمريكي من أصل إسباني في القرن الـ 17". وظهرت صورتها من قبل على الورقة النقدية المكسيكية من فئة 200 بیزو.
وتظهر على الورقة النقدية أيضا صورة أقواس كلية سان إلديفونسو القديمة التي تعود إلى العصر الاستعماري في المركز التاريخي لمدينة مكسيكو سيتي. والمبنى الباروكي الذي يعود للقرن الـ 18 الذي كان كلية يسوعية سابقا وأصبح الآن متحفا، كان مكان ولادة حركة الرسم الجداري في البلاد في القرن الـ 20. وقام فنانون، ومنهم خوسيه كليمنتي أوروزكو ودييجو ريفيرا برسم بعض لوحاتهم الجدارية الأولى على جدران فناء المبنى. كذلك تظهر على الورقة النقدية المكسيكية من فئة 100 بيزو صورة كائن لافت للنظر وواحدة من أكثر الهجرات السنوية إثارة للاهتمام في العالم، ففي كل خريف في غابات ميتشواكان وولاية المكسيك، تستقبل محمية المحيط الحيوي للفراشات الملكية - أحد مواقع التراث العالمي التابعة لـ "اليونيسكو" التي تظهر صورتها على ظهر الورقة النقدية - ملايين الفراشات الملكية المهاجرة ذات اللونين البرتقالي والأسود، تلك الحشرات الرقيقة والجذابة والمعرضة للخطر التي يرى علماء المناخ أن وجودها يعد مؤشرا على صحة المناخ، كما يشاد بها في الموسيقى والشعر والفولكلور المكسيكي لأنها تجلب الحظ السعيد أو ترمز إلى أرواح الموتى. ويشير أليجري من بنك المكسيك المركزي إلى أن الفراشة الملكية لها "رمزية مهمة لدى المكسيكيين، حيث نسبت إليها قیم روحية وثقافية مهمة".
وتطير الفراشات الملكية آلاف الأميال من شمال الولايات المتحدة وأجزاء من كندا لتدخل في بيات شتوي فوق أشجار التنوب المحار في وسط المكسيك، على ارتفاع تسعة آلاف قدم فوق سطح البحر. ووفقا للمؤسسة العالمية للحياة البرية WXE، تعد هذه المنطقة أكبر مستعمرة للفراشات الملكية في العالم، وتعد الرحلات الطويلة التي تقطعها هذه الفراشات بمنزلة "الهجرة الأكثر تطورا للكائنات المعروفة من نوعها" في العالم. ووفقا للمؤسسة تشهد أعداد الفراشات الملكية انخفاضا حادا بسبب إزالة الغابات وتحويلها إلى أراض زراعية، إلى جانب زيادة استخدام المبيدات الحشرية في مناطق تكاثرها في الولايات المتحدة واختفاء عشب اللبن، الغذاء الوحيد لليرقات الملكية. مع تزايد الاهتمام بالتنوع البيولوجي، فإن الفراشة الملكية القوية رغم صغر حجمها التي تزين الأوراق النقدية المكسيكية هي تذكرة قوية بأهمية وجود بيئة مزدهرة. وكما قال بارثا داسجويتا، الخبير الاقتصادي في جامعة كامبريدج، في مقال صدر أخيرا في "مجلة التمويل والتنمية"، "سيكون ازدهار البيئة الطبيعية الذي يدعمه ثراء التنوع البيولوجي بمنزلة شبكة الأمان بالنسبة لنا". وبعبارة أخرى، ما يعود بالنفع على الفراشات يعود بالنفع علينا جميعا.