ملفات صعبة أمام زعيم باكستان الجديد .. هل ينجح؟
كان صعود عمران نيازي خان إلى السلطة في باكستان بعيد انتخابات 2018 حدثا مفاجئا، كونه من هواة السياسة وليس من رموزها الجادين المعروفين. غير أن شخصيته الكاريزمية كبطل للعبة الكريكيت الأكثر شعبية في البلاد، وقيادته باكستان لفوزها الوحيد بكأس العالم للكريكيت عام 1992، واستياء الشعب من الساسة التقليديين، علاوة على وعوده الانتخابية بتحويل باكستان من دولة فيها مجموعة صغيرة من الأثرياء وبحر من الفقراء، إلى نموذج لدولة الرفاهية الإسلامية ذات النظام الإنساني العادل، معطوفا على تأييد مؤسسة الجيش له، مثّل جميعها عوامل أسهمت في فوزه.
أما ما لم يكن مفاجئا فهو سقوطه بعد ثلاثة أعوام ونصف العام في الحكم، ليس فقط لأن تواضع خبرته السياسية والإدارية لم تسعفه في تحقيق وعوده للجماهير، وليس فقط لأنه ورث اقتصادا سيئا، فلم يحسن إصلاحه وتركه يزداد سوءا وتراجعا وسط تضخم قياسي في أسعار المواد الغذائية، وارتفاع الديون، والبطالة، وتزايد الواردات، وعجز تجاري بأكثر من 35 مليار دولار.
وهكذا، وكما هو معروف سقط الرجل الذي علقت عليه ملايين الباكستانيين آمالا عريضة، في جلسة برلمانية لسحب الثقة، أي: بطريقة غير مسبوقة في الحياة السياسية الباكستانية رغم أنها استخدمت من قبل، دون نجاح، للإطاحة بشوكت عزيز عام 2006، وبي نظير بوتو عام 1989.
وبانضمام خان إلى قائمة رؤساء الحكومات المنتخبين الذين أطيح بهم قبل استكمال فترتهم القانونية، واختيار البرلمان جناح نواز زعيم المعارضة ورئيس حزب الرابطة الإسلامية، منذ عام 2017 ليكون رئيس الوزراء الـ 23 لباكستان منذ تأسيسها، انتهت حقبة وبدأت حقبة جديدة في تاريخ هذه البلاد، لكنها لن تكون قطعا حقبة سهلة مفروشة بالورد، بل مملوءة بالتحديات والملفات الداخلية والخارجية المعقدة.
يعتقد بعض المراقبين أن رحلة شهباز شريف في السلطة ستكون أسهل من رحلة سلفه، أولا بسبب كفاءته الإدارية التي تجلت في قيادته الطويلة الناجحة لحكومة ولاية البنجاب، أكثر الولايات الباكستانية اكتظاظا بالسكان، وتمكنه أثناءها من إنجاز عدد من مشاريع البنية التحتية الضخمة التي مولتها الصين - كان من بينها أول نظام حديث للنقل الجماعي في لاهور مثلا -، وثانيا بسبب علاقته الجيدة مع مؤسسة الجيش القوية، وثالثا بسبب روابطه الوثيقة مع الولايات المتحدة - المورد الأول لسلاح الجيش الباكستاني - التي وصفها بالشريك الضروري لباكستان في السراء والضراء، وذلك في تناقض جلي لمواقف سلفه من واشنطن، ورابعا بسبب وثوق الحليف الصيني به وبكفاءته الإدارية في تنفيذ المشاريع ذات الصلة بمبادرة الممر الاقتصادي الصيني - الباكستاني البالغ قيمتها 60 مليار دولار ضمن مشاريع "الحزام والطريق" الصينية الضخمة، بدليل إشادة القنصل الصيني العام في لاهور به، بقوله إن "شريف وحزبه سيظلان من أصدقاء الصين، سواء كانا في الحكومة أو المعارضة". وخامسا لأنه يتمتع بعلاقات ودية مع قادة الدول العربية ذات الروابط التاريخية مع باكستان، أي: بعكس سلفه الذي بدرت منه مواقف سياسية غير ودية.
على أن فريقا آخر من المراقبين يرى أن المحك في نجاح شريف أو إخفاقه في قيادة باكستان يعتمد أولا وأخيرا على طريقة معالجة الفوضى الاقتصادية التي ورثها من سلفه، قائلا إنها فوضى غير مسبوقة يجد المتابع تجلياتها في ارتفاع معدلات التضخم، وفقدان العملة المحلية نحو 50 في المائة من قيمتها، وتراجع احتياطيات النقد الأجنبي إلى مستويات خطيرة، وتراكم الديون والمستحقات الخارجية، وبروز أزمة ميزان المدفوعات المتمثلة في عدم قدرة البلاد على سداد قيمة الواردات الأساسية أو خدمة مدفوعات ديونها الخارجية المقدرة بـ 14 مليار دولار في الأشهر التسعة المقبلة.
وفي رأينا، أن الزعيم الباكستاني الجديد قادر على حل جزء كبير من معضلات بلاده الاقتصادية لو تحرك بجدية وروح جديدة نحو تسوية القضايا التاريخية المزمنة مع جارته الهندية. ذلك أن إقامة سلام وتعاون دائم وثابت مع القطب الهندي تعني توجيه قدر كبير من موارد الدولة الباكستانية والمساعدات التي تتلقاها من الخارج نحو البناء والتنمية وتحسين الخدمات ومستويات معيشة السكان البالغ تعدادهم 220 مليون نسمة.
والحقيقة أن ما قد يساعد على ذلك هو أن عائلة شهباز شريف التي ينحدر أسلافها من الجزء الواقع تحت السيادة الهندية من ولاية البنجاب المقسمة منذ عام 1947 عرف عنها تبنيها مواقف أكثر سلمية وتصالحية وأقل عدائية تجاه الهند، مقارنة بأسلافه ومنهم الزعيم المعزول عمران خان، الذي شهد عهده تراجع وتجمد العلاقات والاتصالات بين الجارتين اللدودتين على كل الأصعدة بسبب تصريحات خان المنددة بالهندوس، وسياسات نظيره الهندي ناريندرا مودي. ومما يجدر بنا ذكره في هذا المقام أن شهباز شريف كان قد زار البنجاب الهندية عام 2003 حينما كان رئيسا لولاية البنجاب الباكستانية، كما أن نواز شريف شقيقه الأكبر، رئيس الوزراء الأسبق، استقبل في باكستان عام 2015 نظيره الهندي مودي، الذي سافر إلى لاهور في زيارة خاطفة وغير مقررة لمشاركة نواز شريف أفراحه بعيد ميلاده وزواج حفيدته. ولعل هذا كله هو ما دفع الباحث إمتياز غول في مركز إسلام أباد للدراسات والبحوث الأمنية، إلى القول إن الشقيقين شريف أقاما عموما علاقات ودية مع القادة الهنود، وهذه نقطة جيدة لإطلاق حوار سلام وتعاون بين باكستان والهند تصب نتائجه لمصلحة الدولتين والشعبين معا.