التضخم الحالي المدفوع بالطلب سيستمر «2 من 2»

ماذا عن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي؟ في هذا السياق ينبغي لنا أن نتذكر أن كل ما يقال بشأن العرض يعني أن الناتج الحقيقي كان مقيدا. ويشاع أن الاستهلاك تحول من الخدمات إلى السلع، ولأن عملية إنتاج السلع عملية تستجيب بقدر أقل لتغيرات السوق - غير مرنة بقدر أكبر -، فإنها لا يمكن أن تتوسع بسرعة كافية. ويقال أيضا إن عرض العمالة كان مقيدا بالوباء واستجابة السياسة بسبب ضعف عرض العمالة في الولايات المتحدة، وانخفاض ساعات العمل في أوروبا. ولا تزال هناك روايات أخرى تركز على أسواق معينة، مثل انخفاض إنتاج الرقائق الدقيقة أو الازدحام في الموانئ الأمريكية.
والمشكلة في هذه الروايات لا تكمن في كونها خاطئة، بل في كونها تغفل عن أهم ما يقال عن الاقتصادات التي شهدت أيضا نموا قويا مذهلا في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي. إذ تمتعت الاقتصادات الكبرى بانتعاش أسرع مما كانت عليه، في أعقاب الأزمة المالية العالمية. وفي الواقع، اتخذ الانتعاش في معظم الدول شكل حرف V أكثر من أي شيء آخر شهدناه منذ عقود. وتجاوز النمو في عام 2021 ما توقعه المتنبئون إلى حد كبير في نهاية عام 2020، عندما كان المتنبئون متفائلين بالفعل بشأن القضاء على كوفيد - 19.
وعموما، نما الاقتصاد الأمريكي بنسبة 1.6 في المائة سنويا من نهاية عام 2019 إلى نهاية عام 2021، وهو أقل قليلا فقط من التقديرات السابقة لإمكانات الاقتصاد. وهذا إنجاز مذهل بالنظر إلى جميع الرياح المعاكسة التي أدت إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي المحتمل بما في ذلك، انخفاض معدلات الهجرة، والوفيات المبكرة، وانخفاض تكوين رأس المال، والتباطؤ المرتبط بارتفاع معدلات البطالة.
إن بيت القصيد ليس هو عدم وجود مشكلات تتعلق بسلسلة التوريد. فقد تراكمت السفن بالفعل في الموانئ، وتؤخر شركات التصنيع حقا الإنتاج بسبب نقص الرقائق الدقيقة. لكن هذا ليس بالضرورة دليلا على حدوث تغيير سلبي في العرض. وإذا أعطينا كل أسرة ملايين الدولارات، فسيؤدي ذلك أيضا إلى تراكم في الموانئ وتحميل شركات التصنيع ما يفوق طاقتها. إن الارتفاع الكبير في حجم السلع، المحدد من خلال حجم الموانئ ومستوى إنتاج الرقائق العالمية، فضلا عن معدلات الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، يشير إلى أن مشكلتنا لا تتمثل أساسا في انخفاض العرض، بل في زيادة الطلب.
وإذا نظرنا إلى المستقبل، هناك بعض الأسباب تجعلنا نتوقع أن الطلب سيهدأ، لكن يجب موازنة هذه الأسباب في الميزان. إن الدعم المالي آخذ في التراجع بالفعل في كل مكان. وبدأت أسعار الفائدة بالارتفاع في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وسترتفع في وقت لاحق من هذا العام في أوروبا أيضا. كما تراجعت أسواق الأسهم تراجعا حادا في الآونة الأخيرة.
لكن لا يزال لدى الأسر فائض كبير في المدخرات، ولا يزال الموقف العام للسياسة النقدية متكيفا، ما يشير إلى أن الطلب سيظل قويا. وفضلا عن ذلك، نظرا للحرب في أوكرانيا، هناك الآن صدمة إمداد كبيرة بالفعل تزيد التضخم في شكل ارتفاع أسعار النفط والغاز، خاصة في أوروبا. وإذا دمجنا ذلك مع الزيادة في التوقعات التضخمية على المدى القصير، فلنتوقع أن يظل التضخم مرتفعا لبعض الوقت.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2022.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي