ذكاء أم استدامة أم كلاهما!

تتجه دول كثيرة إلى التنمية المسؤولة للمدن بما فيها السعودية حيث يتم استهداف ما لا يقل عن عشرة مدن سعودية ضمن أفضل 50 مدينة عالمية كما ذكر معالي وزير الشؤون البلدية والقروية والإسكان خلال مشاركته في المنتدى العالمي للمدن الذكية الذي نظمته الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي "سدايا" في فبراير الماضي. وبحسب مؤشر IMD للمدن الذكية والصادر عن المعهد الدولي للتنمية الإدارية بالعالم لعام 2024 فإن 5 مدن سعودية صعدت بمراتب متعددة مقارنة بتقرير 2023 لتشمل مدن الرياض، ومكة المكرمة، وجدة، والمدينة المنورة و لأول مرة يشمل المؤشر مدينة الخبر لهذا العام حيث يعد هذا الحراك إيجابيا نحو الوصول إلى الهدف المنشود بحلول 2030 بإذن الله.

وحيث تتواصل الجهود التطويرية للمدن السعودية فإن حجم التحديات يتعاظم مع تعاظم الطموحات التي يجب التعامل معها بجدية وحذر خصوصا في ما يتعلق بجوانب الاستدامة والمدن الذكية حيث تؤدي الإستراتيجيات العامة والتنفيذية المتعلقة بهذه المفاهيم دورا حيويا نحو الاستفادة الكاملة ليس فقط للحصول على التقييم الأفضل عالميا فحسب، بل ليتعدى ذلك إلى إحداث الثأير الإيجابي للمدن في ساكنيها وزوارها على مدى العام لأن المدن المستدامة والذكية ليست مجرد مدن مجهزة بالتكنولوجيا والتشجير هنا وهناك، بل مدن حيوية تتطلب أيضا لتحقيقها إيجاد نظم بيئية وتشغيلية تدمج جميع الخدمات البلدية، والنقل، والتعليم، والصحة، والسياحة، والترفيه وغيرها من الأعمال والخدمات مع بعض، بحيث يتم تصميمها لتحسين جودة حياة السكان وإيجاد مدن مريحة يأنس بها قاطنوها وزائروها على الدوام.

ويبقى السؤال هنا عن ماذا يجب أن تكون عليه المدن! أمستدامة أم ذكية؟ للوصول إلى الهدف المنشود لرفع مستوى المدن السعودية وليس المستهدفة بالتقييم العالمي فقط بل لجميع المدن على حد سواء لأن التجارب الناجحة يمكن تطبيقها في أي مكان آخر خصوصا مع تشابه كثير من متطلبات المدن في السعودية.

وللإجابة عن التساؤل أعلاه، فإن الاستدامة والمدن الذكية مفهومان مترابطان، ولكنهما ليسا متماثلين تماما حيث تركز الاستدامة على تلبية احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها الخاصة حيث في سياق المدن، يعني هذا إنشاء أماكن تتميز بصداقتها مع البيئة والاقتصاد والمجتمع عبر التقليل من التلوث، والحفاظ على الموارد، والتخفيف من تغير المناخ و توفير جودة حياة عالية لجميع السكان، مع توفير مساكن بأسعار معقولة، وإمكانية الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية و زيادة فرص التفاعل الاجتماعي مع وجود وخلق اقتصاد قوي ومتنوع يمكن أن يدعم نفسه مع مرور الوقت عبر مفاهيم اقتصادات المدن الحديثة.

أما المدن الذكية فتعمل على الاستفادة من التكنولوجيا لتحسين كفاءة وفعالية عمليات وخدمات المدينة ويمكن أن تشمل على أشياء مثل أنظمة إدارة المرور التي تقلل الازدحام والتلوث والشبكات الذكية التي تعمل على تحسين كفاءة استخدام الطاقة والمياه وأنظمة إدارة النفايات التي تحسن الكفاءة وتقلل النفايات إضافة إلى صنع نظام حوكمة يعتمد على البيانات ويسمح باتخاذ قرارات أفضل لإدارة المدن وتطويرها حسب الوجه المطلوب والمأمول منها.

وحيث تبقى الاستدامة هي الهدف العام سواء على مستوى المدن أو الدول أو حتى الكوكب نفسه فإن لمبادرات المدن الذكية دور مهم وحيوي لما تملكه من أدوات يمكن استخدامها لتحقيق هذا الهدف لا سيما وإن تم ربط تلك البيانات بالذكاء الصناعي وإيجاد نظام تفكير اصطناعي يمزج بين الاستدامة والتكنولوجيا والابتكار الممزوج بالخبرة البشرية في هيئة عقل راشد يقود المدن إلى ما بعد الطموح المنشود في سرعة وبديهية تجمع بين عبقرية الآلة وطموح البشرية لإيجاد الذكاء المستدام عبر المدن وجميع مكوناتها الجامدة والحية!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي