معهد وطني للسياسات الاقتصادية
مؤسسات الفكر أو معاهد السياسات كان لها دور حيوي في نهضة الاقتصادات ومعالجة قضايا اقتصادية واجتماعية وثقافية وتكنولوجية، سواء من خلال طرح آراء إثرائية أو تقديم حلول واستشارات قائمة على الأدلة، بما في ذلك قدرة بعض مراكز الفكر على تقديم مسودات مشاريع وطنية في السياسات الاقتصادية أو الاجتماعية، أما في مجال التكنولوجيا والصناعة عبر البحث والتطوير، فإن مجالها كان حاسما في تطور القطاعات الاقتصادية وتطور الدول اقتصاديا وتنمويا وتطور أيضا أرباح الشركات لعدد من الدول وإلى مستويات قياسية.
لعبت مراكز الفكر والبحوث الغربية دورا كبيرا في تطور وتشكل النموذج الاقتصادي والاجتماعي، إلا أن كثيرا منها كان حزبيا أو يتبنى أيديولوجيات تدفع بكثير من إنتاجها إلى مناطق متحيزة في مقابل أن المراكز المحايدة والعلمية نالت الثقة، أما مراكز البحوث التكنولوجية فكانت الأفضل من حيث قدرتها على تطوير القطاعات الصناعية والطبية ومعالجة القضايا البيئية.
مراكز الفكر والبحوث الآسيوية كان لها دور في تقدم دولها، على سبيل المثال، معاهد البحوث الكورية المختصة والتابعة للحكومة كان لها تأثير جوهري في تفوق كوريا اقتصاديا، حيث أسست كوريا منظومة متكاملة GRITS أو ما تعرف بمعاهد البحوث الحكومية المختصة، فالمعهد الكوري للعلوم والتكنولوجيا KAIST الذي يضم 1800 عالم وباحث كان السر الحقيقي خلف نهضة كوريا الجنوبية اقتصاديا وتنمويا.
تشكيل النماذج الاقتصادية وسياسات العلوم والتقنية ومراكز البحوث المختصة في التقنية أو غيرها من المجالات بما في ذلك بناء القدرات التكنولوجية والبشرية غالبا تنشأ من دراسات مراكز الفكر الاقتصادية في السياسات الاقتصادية، لذا فإن وجود مراكز تفكير اقتصادية بمفهوم شمولي له أهمية بالغة في تكوين وتشكيل الهيكل الاقتصادي ومساعدة الحكومات على بناء تصور متكامل وواسع من خلال ردم فجوتي التنفيذ وتطبيق أفكار النموذج الاقتصادي، الذي يحفز جميع قطاعاتها على العمل بشكل متكامل ومرن، بمعنى آخر: لا يمكن تنمية القدرات البشرية أو الصناعية أو البحثية أو التعليمية أو حتى السياسات الاقتصادية الدولية لأي بلد إلا بسياسات اقتصادية وفكر اقتصادي واضح يوجه الجميع نحو تحقيق الغايات المرجوة، إضافة إلى أن مراكز التفكير في مجال السياسات الاقتصادية تحد من تعارض السياسات التنفيذية بين القطاعات الحكومية والخاصة ومن أي تحيز تنفيذي أو ممارسات ضارة بالاقتصاد ونهضته من المنظومات الحكومية أو الخاصة أو التشريعية.
في الختام: الدول التي نجحت في فترات زمنية قصيرة اعتمدت على سياسات اقتصادية وقدرات تنفيذية عالية تستجيب للسياسات الاقتصادية، لذا نحن بحاجة إلى معهد أو وكالة شبه حكومية مستقلة في السياسات الاقتصادية تساند المراكز المماثلة لها وممولة من جميع الأجهزة الحكومية والشركات المساهمة، لتنتج سياسات اقتصادية شمولية وترفع تقاريرها ودراساتها لمجلس الشؤون الاقتصادية، لاسيما أن ولي العهد يؤمن بثلاثة مرتكزات جوهرية: الحوكمة والاستدامة وبناء قدرات البلاد المحلية.