Author

تدابير وسياسات كبح التضخم

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
أظهرت أحدث نشرات الأسعار الصادرة عن الهيئة العامة للإحصاء ارتفاع معدل التضخم إلى أعلى من 2.0 في المائة بنهاية آذار (مارس) الماضي، مقارنة بمستواه خلال الشهر نفسه من العام الماضي، مستمرا في مساره التصاعدي منذ آب (أغسطس) من العام الماضي، مدفوعا بارتفاع أثقل ثلاث فئات رئيسة للإنفاق في معادلة احتساب معدل التضخم، شكلت مجتمعة بمجموع وزنهما النسبي نحو 44.4 في المائة من إجمالي فئات الإنفاق الرئيسة لاحتساب المعدل، جاءت على النحو التالي حسب الأعلى في أوزانها النسبية: بدءا من فئة الإنفاق على الأغذية والمشروبات (شكل وزنها النسبي نحو 19.8 في المائة) بارتفاع سنوي لرقمها القياسي بنسبة ناهزت 3.0 في المائة، ثم فئة الإنفاق على النقل (شكل وزنها النسبي نحو 13.1 في المائة) بارتفاع سنوي لرقمها القياسي 4.7 في المائة، ثم فئة الإنفاق على السلع والخدمات الشخصية المتنوعة (شكل وزنها النسبي نحو 12.6 في المائة) بارتفاع سنوي لرقمها القياسي 2.9 في المائة.
كما أظهرت نشرة الرقم القياسي لأسعار الجملة للشهر نفسه، ارتفاع الرقم القياسي العام بمعدل سنوي بنحو 12.1 في المائة، وهو المستوى المرتفع الذي بدأ يسجله تصاعديا منذ منتصف 2020 وما زال حتى تاريخه، مدفوعا بارتفاع أكبر بابين رئيسين في الرقم القياسي العام لأسعار الجملة، شكلا مجتمعين بمجموع وزنها النسبي نحو 73.4 في المائة من إجمالي الأبواب الرئيسة لاحتساب الرقم القياسي لأسعار الجملة، جاءا على النحو التالي حسب الأعلى في أوزانهما النسبية: بدءا من الباب الرئيس للمنتجات المعدنية والآلات والمعدات (شكل وزنه النسبي نحو 39.7 في المائة) بارتفاع سنوي لرقمه القياسي بنسبة تجاوزت 10.2 في المائة، ثم الباب الرئيس لسلع أخرى قابلة للنقل فيما عدا المنتجات المعدنية والآلات والمعدات (شكل وزنه النسبي نحو 33.7 في المائة) بارتفاع سنوي لرقمه القياسي بنسبة تجاوزت 10.2 في المائة.
يشكل الارتفاع في معدل التضخم أحد أكبر التحديات التي تواجهها اقتصادات الدول حول العالم، وعلى أنه في حالتنا محليا لا يزال أدنى بكثير مما حادث في أغلب الدول خارجيا، إلا أن الأوضاع الراهنة والمرتقبة التي يمر بها الاقتصاد العالمي، تشير إلى أن المعدل من المرجح أن يكون في طريقه التصاعدي، فالتضخم المحتمل استيراده من خارج الاقتصاد، كونه قادما من اقتصادات أصبحت خلال الفترة الراهنة تواجه معدلات تضخم مرتفعة، يؤكد على قرب احتمال مزيد من ارتفاع معدل التضخم محليا، والتأكيد أيضا على أن صلابة الاقتصاد الوطني ومتانته، إضافة إلى متانة الاستقرار المالي محليا، يمكن أن تسهم مجتمعة في التصدي لأي آثار محتملة على هذا الطريق، وهو ما حدث سابقا حينما وصل معدل التضخم إلى ذروته بنهاية حزيران (يونيو) من العام الماضي عند مستوى 6.2 في المائة، إلا أنه في المقابل سيقتضي اتخاذ عديد من التدابير والسياسات المضادة له بوقت مبكر، لأسباب عديدة من أهمها أن التضخم خلال الفترة الراهنة وفي الأفق القريب؛ أصبح مرتفعا في أغلب اقتصادات الدول حول العالم، ووصل إلى مستويات قياسية تجاوز عديدا من الاقتصادات مستوياته قبل أكثر من 40 عاما مضت.
لا تقف تلك التدابير والسياسات عند ما سيقوم به البنك المركزي السعودي ضمن السياسة التي يشرف عليها (السياسة النقدية)، بدءا من عمله على رفع معدلي اتفاقيات إعادة الشراء واتفاقيات إعادة الشراء المعاكس، وصولا إلى أقصى سياساته المحتملة بالعمل على رفع نسب الوديعة النظامية على كل من الودائع تحت الطلب (تبلغ الآن 7.0 في المائة)، والودائع الادخارية والآجلة (تبلغ الآن 4.0 في المائة)، وهو ما سبق أن قام به خلال الفترة من تشرين الثاني (نوفمبر) 2007 حتى أيار (مايو) 2008، حينما قام برفع نسبة الوديعة النظامية على الودائع تحت الطلب (أربع مرات متتالية) من 7.0 في المائة إلى أن وصل بها إلى 13.0 في المائة، عاد إلى خفضها لاحقا إلى 10.0 في المائة منتصف تشرين الأول (أكتوبر) 2008، ثم خفضها إلى 7.0 في المائة قبل نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) 2008 وما زالت مستقرة حتى تاريخه عند هذا المعدل، كما رفع نسبة الوديعة النظامية على الودائع الادخارية والآجلة لمرة واحدة إلى 4.0 في المائة في الأول من أيار (مايو) 2008 ولا يزال معمولا بها حتى تاريخه.
إذ ستتطلب جهود التصدي لاحتمالات ارتفاع معدل التضخم دائرة أوسع من عديد من الأجهزة الحكومية ذات العلاقة باستقرار الأسعار، بدءا من وزارة التجارة عبر تكثيف الرقابة على الأسواق المحلية، وهي الجهود التي دأبت الوزارة على ترجمتها واقعا طوال الفترة الماضية، وسيؤمل مضاعفتها جهودها في مكافحة ومحاربة أشكال التستر والغش التجاريين، وتأتي أيضا الجهود اللازم بذلها، إضافة إلى ما تم بذله سابقا من قبل وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان، والتركيز بصورة أكبر على تطورات الأسعار في سوقي العقار والتأجير، خاصة مع بدء الرقم القياسي لإيجارات المساكن بالتحرك صعودا، ويؤمل أن تأتي تلك الجهود المتكاملة مجتمعة بحزم كافية من التدابير والسياسات الكفيلة بمزيد من السيطرة على معدل التضخم، والتعامل بكفاءة مع المصادر المختلفة لتغذية ارتفاعه وكبحها مبكرا، حسب إشراف ورقابة.
إنشرها