الإمدادات العالمية .. منافسة أم تعاون؟

الإمدادات السلعية والغذائية في طريقها للتغير وأصبح هناك ميل إلى التعاون أكثر من الاعتماد على كفاءة المنافسة الكاملة للأسواق بسبب التضخم العالمي في الأسعار والصدمات التي تعرضت لها سلاسل الإمداد، ولا سيما إذا ما تهاوت أسعار صرف العملات وتحولت الدول إلى تسليع عملاتها الوطنية، أي: فرض أساليب حمائية والشراء بعملاتها الوطنية من دول صديقة، السيناريو السابق مرهون بنتائج الحرب الروسية مع الغرب، لأنها حرب عسكرية ومالية بشكل مزدوج حتى إن ظهرت أنها عقوبات غربية للضغط على روسيا، كما أن الأزمة الروسية - الأوكرانية لا تزال تؤثر تداعياتها الناشئة في الدول الهشة اقتصاديا في مجالي الغذاء والطاقة وكلها عوامل تعزز التعاون مقابل كفاءة الأسواق.
روسيا تحاول ضرب النظام المالي العالمي في عمق ميكانيكيته التي يستند إليها عبر كسر هيمنة الدولار والأدوات الأخرى التابعة له كسعر الفائدة بضخ مزيد من التضخم العالمي وجعل اقتصادات أعدائها بين كماشتي فقدان النمو والتضخم ولا سيما أن روسيا في مجموعة "بريكس" تحاول الانفكاك من النظام الاقتصادي العالمي منذ 2001 القائم على الدولار المدعوم بالأصول المالية، ومحاولات الروس ظهرت بعد عام من تولي بوتين الرئاسة في 2000.
علاوة على ذلك: ارتباط روسيا بمنظمتي "بريكس" على أساس عالمي و"منظمة شنغهاي للتعاون" على أساس إقليمي يمنحها عزم اقتصاد مقابل الكتلة الغربية، بمعنى آخر: استخدام الكتل السكانية المنتجة للتحكم التجاري وبوزن نسبي 40 في المائة من حجم سكان العالم.
إذا ما نجحت روسيا في الحرب المالية في ظل نتائج عسكرية متقاربة بين الطرفين، فإن ذلك بداية لتغير هيكلي في النظام المالي العالمي من نظام معتمد على أصول مالية إلى اقتصاد معتمد على "تسليع العملات" ومن خلال تمويل السلع ووجود سلع بين كل عقد تمويل نقدي وبحسب قوة كل دولة سلعيا بما في ذلك الغذاء مع الاعتماد على عملات وطنية.
إن ما يدعم تلك الاحتمالات أن التضخم والإضرابات في الدول الهشة اقتصاديا سيجعل ربط رأس المال والتمويل بالبضائع مخرجا من التضخم الناتج من الدولار حتى للدول الغنية وسيدفع بالأموال للاقتصاد الحقيقي الإنتاجي، فمثلا "الين" الياباني سجل أقل مستوى في 20 عاما وهذا رفع تكلفة المعيشة على اليابانيين ويمكننا القياس على جميع الدول الغنية والفقيرة.
وأخيرا، في ظل عدم اليقين الذي يكتنف العالم لا نستطيع الجزم بأي وضع، ومن الحكمة الاقتصادية أن تكون دولنا مستعدة لأي تغيرات سواء من خلال التعاون أو الاعتماد على كفاءة الأسواق وتنويع الإنتاج والإمدادات بمستويات أعلى، وعلى الدول العربية الضعيفة أن ترتبط بدول أقوى منها من أجل التعاون ولا سيما إذا تلاشت كفاءة الأسواق مع تشرذم التجارة العالمية القائمة على فكرة "التوريد من الدول الصديقة" التي أفرزتها الأزمة الأوكرانية خصوصا في الغذاء والسلع الأساسية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي