المزيج الأمثل للطاقة .. الفرص والتحديات

يعد مفهوم “المزيج الأمثل للطاقة” من أهم القضايا التي تشغل صناع القرار عالميا، حيث لا يتعلق الأمر فقط بسلامة الإمدادات وموثوقيتها، بل أيضا بموازنة الأبعاد الاقتصادية والبيئية والتقنية، ولذلك يواجه قطاع الطاقة في اعتقادي معادلة صعبة بين تلبية الطلب المتزايد على الكهرباء والوقود، والالتزام بأهداف الحياد الصفري للكربون وخفض الانبعاثات.
تشير التقديرات إلى أن استهلاك العالم من الطاقة الأولية بلغ أكثر من 600 إكساجول في 2023، وأن مصادر الطاقة المتجددة مثل الشمس والرياح أسهمت نحو 14% من الكهرباء المنتجة عالميا، بينما ما زال الوقود الأحفوري (النفط، الغاز، والفحم) يمثل أكثر من 80% من الاستهلاك الكلي للطاقة، وهذا ليس مستغربا في رأيي!
رغم هذا الاعتماد الكبير، تتوقع الوكالة الدولية للطاقة أن يشكل الهيدروجين النظيف، إلى جانب الطاقة الشمسية والبطاريات، ركيزة أساسية لتلبية ما يقارب ثلث الزيادة في الطلب العالمي بحلول 2030، لكن التحدي يكمن في التمويل الضخم المطلوب. الجدير بالتنويه إن بعض التقديرات تشير إلى أن العالم يحتاج إلى استثمارات سنوية تتجاوز 4 تريليونات دولارا في مجال الطاقة لتحقيق أهداف اتفاق باريس.
على المستوى الإقليمي، يمثل الخليج العربي لاعبا محوريا في معادلة الطاقة العالمية، فدول مجلس التعاون تملك نحو 30% من احتياطيات النفط المؤكدة عالميا وأركز هنا على كلمة المؤكدة، وتملك أيضا أكثر من 20% من احتياطيات الغاز. ومع ذلك لم تعد هذه الدول تعتمد فقط على تصدير النفط والغاز، بل تبنت إستراتيجيات لتحول الطاقة وتنويع المزيج.
على سبيل المثال، أعلنت الإمارات تشغيل أربع وحدات نووية في “براكة” بطاقة تصل إلى 5.6 جيجاوات، وهو ما يغطي نحو ربع احتياجاتها من الكهرباء. أما قطر، فقد عززت استثماراتها في الغاز الطبيعي المسال لتبقى المورد الأكبر عالميا. والتحدي الإقليمي لا يقتصر على تنويع المزيج، بل يشمل كذلك التكيف مع تذبذب أسعار الطاقة. فعندما انخفض سعر النفط إلى أقل من 40 دولارا للبرميل في 2020، برزت أهمية تنويع مصادر الإيرادات.
في السعودية، ينظر إلى “المزيج الأمثل للطاقة” كعنصر رئيس في رؤية 2030.
السعودية التي تعد أكبر مصدر للنفط في العالم وتملك احتياطيات تفوق 267 مليار برميل، بدأت بالفعل في إعادة تشكيل إستراتيجيتها للتحول.
أعلنت وزارة الطاقة أن الهدف هو الوصول إلى 50% من الكهرباء من مصادر متجددة و50% من الغاز بحلول 2030. وضمن هذا التوجه، دشنت السعودية مشاريع ضخمة مثل محطة “سكاكا” الشمسية بقدرة 300 ميجاوات، ومشروع “دومة الجندل” لطاقة الرياح بقدرة 400 ميجاوات، إضافة إلى خطط طموحة للهيدروجين الأخضر في “نيوم” بقدرة 4 جيجاوات لإنتاج نحو 650 طنا يوميا من الأمونيا الخضراء.
الفرص أمام السعودية هائلة في اعتقادي، خاصة مع ما تملكه من موارد طبيعية ومساحات شاسعة تؤهلها لتكون من رواد جميع مصادر الطاقة. لكن التحديات تكمن في سرعة التنفيذ، حجم التمويل المطلوب، والحاجة لتطوير الكفاءات البشرية والتقنيات المحلية.
وفي النهاية، فإن المزيج الأمثل للطاقة ليس وصفة ثابتة، بل معادلة متحركة تتأثر بالأسواق العالمية والسياسات الوطنية. وبينما يسعى العالم لتحقيق التوازن بين أمن الطاقة والاستدامة، تبرز السعودية كنموذج للموازنة بينهما بموضوعية، وبنظرة تكاملية تعي أهمية جميع مصادر الطاقة، وترتيب الأولويات ما يعزز منظومة الطاقة برمتها.

مختص في شؤون الطاقة

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي