إعداد خريطة للأصول التجارية واستثمارها «4»

تحقق صناديق الثروة العامة مزايا التمويل الخاص، من خلال النفاذ المباشر إلى أسواق الدين والأسهم، أو التعامل مع صناديق الأسهم المختصة، أو الشراكات مع مختلف المؤسسات. ويمكن أن يحدث ذلك على مستوى صناديق الثروة العامة "الشركات القابضة" أو الأصول الفردية، ويجب أن تحقق هذه الجهود قيمة للناخبين ودافعي الضرائب بالطبع، فهم المستفيد الحقيقي من صناديق الثروة العامة. لكن كما يتضح من الأمثلة السابقة لن يتسنى تحقيق هذه القيمة إلا من خلال صناديق تتمتع بمنظومة حوكمة قوية وقدرة على اتخاذ القرارات بناء على دوافع تجارية، وليس دوافع أيديولوجية أو سياسية فقط.
عندما بعث ويليام الفاتح بكتبته عام 1085 لتسجيل أصول المملكة، كان تركيزه الأساسي منصبا على حيازات الأراضي. ولا تزال العقارات إلى اليوم هي أكبر فئات الأصول على الإطلاق، وتمتلك الحكومات جانبا كبيرا منها. وفي معظم الاقتصادات المتقدمة تسهل سجلات الأراضي والشفافية النسبية بشأن بيانات المعاملات وأساليب المسح عبر الإنترنت إعداد خريطة أصول لتحديد وتقييم الممتلكات العقارية الحكومية على مستوى المحليات، وستكون هذه الخريطة بمنزلة نسخة محلية من كتاب يوم الحساب لكن دون الحاجة إلى بذل الجهد الشاق الذي تطلبه إعداد هذا الكتاب.
ويمكن أن نستخلص من تجربة مدينة بيتسبرج الأمريكية دراسة حالة مثيرة للاهتمام. فقبل إعداد خريطة لأصول المدينة، اعتقد عمدتها أنها تضم نحو 400 عقار عام بقيمة 57 مليون دولار تقريبا حسب سجلات المدينة. واستعانت بيتسبرج بشركة مختصة لإعداد خريطة أصول مبسطة، واستغرق التنفيذ أسبوعين وبلغت التكلفة نحو 20 ألف دولار، واتضح من الخريطة أن العدد الفعلي للعقارات المملوكة للمدينة هو 11 ألف عقار تقريبا ولم يكن معظمها مستخدما في تقديم الخدمات العامة، ووصلت قيمة الحافظة العقارية لبيتسبرج إلى 3.9 مليار دولار -أي 70 ضعف قيمتها الدفترية. وفي حالة إسناد إدارة هذه العقارات إلى جهات مختصة يمكن توليد دخل إضافي منها يتجاوز الضرائب التي تجمعها المدينة في الوقت الحالي. ويمكن عوضا عن ذلك بيع الأصول التي لا تحتاج إليها المدينة في تقديم الخدمات العامة واستخدام حصيلة البيع في تمويل استثمارات جديدة، دون زيادة الضرائب أو الاقتراض.
وربما تواجه الاقتصادات والنظم السياسية الأقل تقدما مجموعة مختلفة من التحديات. فعلى سبيل المثال، يوجد تفاوت كبير بين الدول في جودة المعلومات المتاحة عن ملكية العقارات، ويتعين توجيه أي جهود ممكنة نحو تعزيز الشفافية والمساءلة. وعلى الجانب الآخر وكما يتضح من الأمثلة في قارة آسيا، فإن الاستخدام الفعال لأصول الدولة في الاقتصادات الأقل تقدما، ولا سيما العقارات، يمكن أن يكون من أهم دوافع التنمية الاقتصادية والمؤسسية.
تجاهلت دول عديدة طويلا أهمية تقييم الأصول وإدارتها وتبعات هذا الإهمال ويتعين اتخاذ تدابير جذرية في ظل الحاجة إلى التصدي لجائحة كوفيد - 19 والتغيرات المناخية التي يتوقع أن تفرض ضغوطا على الموارد العامة لجيل كامل على الأقل، ونظرا لأن البديل في عديد من الدول هو فترة تقشفية مطولة، أصبحت إعادة النظر في أهمية الأصول العامة هدفا اقتصاديا وأخلاقيا في الوقت نفسه وسيكون من الصعب إحداث هذا التحول، لكن الشواهد لا تقبل الشك، فمن شأن الكشف عن الأصول التجارية العامة، ولا سيما العقارات وإدارتها على نحو مستدام من خلال صناديق الثروة العامة تحقيق أرباح استثنائية للحكومات لمساعدتها على سعيها نحو التصدي للتحديات الراهنة لتحقيق المنفعة للأجيال الحالية والمقبلة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي