إعداد خريطة للأصول التجارية واستثمارها «1»

منذ ما يقرب من ألف عام، وتحديدا عام 1085، أصدر ويليام الفاتح، أمرا بإجراء مسح لمملكة إنجلترا التي تسلم مقاليد حكمها قبل 19 عاما. وكان الهدف هو إعداد بیان مفصل بجميع الأصول لتحديد حجم الإيرادات التي يفترض أن تتولد عنها، وبالتالي قيمة الريوع أو الضرائب المستحقة للخزانة الملكية.
وبلغة هذه الحقبة سمي هذا المسح باسم كتاب يوم الحساب بسبب نطاقه وقطعية الحقائق الواردة فيه والسلطة التي يمثلها، أما اليوم، فيمكن أن نسميه خريطة الأصول. وتجدر الإشارة إلى أن هذا العمل الذي استند إلى تكنولوجيا القرن الـ 11 لم يستغرق تنفيذه سوى عام واحد.
ونجد في عصرنا الحالي تغافلا كبيرا من جانب الحكومات عن أهمية إعداد مسح دقيق لحجم أصولها. وتحول هذه المشكلة، التي تنشأ عن طبيعة النظم المحاسبية الحكومية، دون تقييم الأصول وإدارتها بكفاءة. ويتمثل أحد الحلول السريعة ومنخفضة التكلفة في الكشف عن الأصول الخفية من خلال إعداد خريطة للأصول ومن ثم استثمارها.
تتضمن الأصول التجارية العامة التي تعرف بأنها أي أصول قادرة على توليد الدخل إذا ما تم إسناد إدارتها إلى جهات مختصة، الأصول التشغيلية، مثل المرافق وأصول النقل، كالمطارات والموانئ ونظم مترو الأنفاق والعقارات. وربما تمثل الأصول التجارية العامة، الشريحة الأكبر على الإطلاق من الثروة العالمية، وأكثر أنواع الأصول التي نجهل طبيعتها.
وتبلغ قيمة الشركات المطروحة للتداول العام حول العالم أكثر من 90 تريليون دولار، أي ما يعادل إجمالي الناتج المحلي العالمي تقريبا. وتعد الحوكمة من القطاعات الضخمة التي تضم مجموعة كبيرة من الوكلاء - مديري الشركات ومجالس إدارتها، وشركات المحاسبة والبورصات، والجهات المنظمة للأوراق المالية، وبنوك الاستثمار، ومديري الاستثمار - وتركز على إدارة هذه الشركات بكفاءة وتخصيص رأس المال اللازم لها. ويتم الإعلان بصفة مستمرة عن أداء هذه الشركات عبر قنوات الإعلام.
ورغم أن الأصول التجارية العامة تحظى باهتمام أقل كثيرا، تشير تقديرات صندوق النقد الدولي، إلى أن الأصول العامة العالمية تبلغ قيمتها ضعف إجمالي الناتج المحلي العالمي، وفي حين تمثل هذه الأصول ملكية عامة، نجد أن حتى أكثر الحكومات انفتاحا وديمقراطية لا تطبق عليها منظومة الحوكمة والرقابة والمساءلة الرسمية إلا بدرجة محدودة. وبالفعل، لا توجد أي جهود جادة لتسجيل وتقييم جميع هذه الأصول التجارية إلا من جانب حكومات قليلة، حتى الحكومات التي تؤدي هذا الدور يبدو أنها تستبعد جزءا كبيرا من حيازاتها، ما يشير إلى أن القيمة الحقيقية لتلك الأصول ربما تتجاوز كثيرا تقييمات الصندوق التي تستند إلى البيانات الحكومية.
يعد نقص المعلومات المتاحة عن الأصول التجارية العامة دافعا لعدم الكفاءة، وتنشأ عنه تكلفة قدرتها دراسة صادرة عن صندوق النقد الدولي بنحو 1.5 في المائة من مجموع قيمة الأصول سنويا، أي: 3 في المائة تقريبا من إجمالي الناتج المحلي العالمي. وتتضمن أوجه عدم الكفاءة تلك تدني أو غياب العائد من الأصول التجارية العامة بسبب ضعف الممارسات المحاسبية وسوء الإدارة وإهدار الموارد والفساد.
وهناك أيضا تداعيات اقتصادية كلية مهمة، بما في ذلك الميزانيات العمومية الحكومية التي تبدو أضعف مما ينبغي. وأوضحت دراستان صادرتان عن صندوق النقد الدولي في آب (أغسطس) 2019 Yousef وأيار (مايو) Koshimia and others 2021، أنه كلما ازدادت القيمة الصافية للحكومات "الأصول ناقص الخصوم" أصبحت أقدر على التعافي من الركود بوتيرة أسرع وتراجعت تكلفة القروض الممنوحة لها... يتبع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي