تأثير الأزمة الأوكرانية في الانتخابات الفرنسية «1 من 2»
خلفت الأزمة الأوكرانية تأثيرا قويا في الحملة الانتخابية الرئاسية في فرنسا. فقبل بداية الأزمة، كان السباق الرئاسي يضم ثلاثة من أنصار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بين المرشحين الرئيسين - جان لوك ميلينشون من أقصى اليسار، ومارين لوبان وإيريك زمور من أقصى اليمين.
في حين نظمت لوبان - بكل فخر - مناسبات التقاط الصور مع بوتين عام 2017، ووافقت على ضمه شبه جزيرة القرم، وأشرفت على تنظيم حفل تلقى قروضا من البنوك الروسية، أعرب زمور عن إعجابه ببوتين، الذي وصفه بأنه وطني. ومن جانبه، دأب ميلينشون لفترة طويلة على الدعوة إلى خروج فرنسا من حلف شمال الأطلسي "الناتو"، ما يعكس معاداته لأمريكا وتقاربه مع اليسار في أمريكا اللاتينية متمثلا في فيدل كاسترو وهوجو شافيز. وقد أصر المرشحون الثلاثة بكل ثقة على أن بوتين لن يقوم بحرب ضد أوكرانيا.
ورغم أن بوتين فاجأ المرشحين الثلاثة، فإن زمور كان الوحيد الذي دفع ثمنا سياسيا حتى الآن. فقد سارعت لوبان إلى التنديد بهذه الحرب وأعادت توجيه حملتها للتركيز على قضايا تتعلق بالموارد المالية، مثل الارتفاع المفاجئ في أسعار الطاقة. وجاءت استجابة ميلينشون أكثر تخبطا: فرغم إشادته ببسالة الأوكرانيين وشجاعتهم، فإنه عازف عن إرسال الأسلحة إليهم. وكما هي الحال مع لوبان، ركزت حملة ميلينشون في الأساس على القضايا الاجتماعية المحلية، وكان حريصا على تجنب مناقشة مسألة الحرب كلما أمكن.
على النقيض من ذلك، كانت حملة زمور بالكامل تدور حول صـد المهاجرين، ما جعل التأقلم مع بداية الحرب أمرا صعبا. وأعرب عن تحفظاته بشأن الترحيب باللاجئين الأوكرانيين، ولأنه ليس لديه أي تصريح محدد حول ارتفاع أسعار الطاقة، فقد أصبح ترشيحه يبدو في غير محله على نحو متزايد. وهو الآن يأتي متأخرا كثيرا خلف لوبان التي كان يأمل في السابق أن يتحداها على صدارة أقصى اليمين. كانت نسبة المتنافسين الثلاثة الأبرز في المرحلة الأخيرة من الحملة، وهم: الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون، بنحو 27 في المائة، تليه لوبان بنحو 23 في المائة، ثم ميلينشون بنحو 16 في المائة.
من بين أوضح التأثيرات المترتبة على الحرب أن مرشحة اليمين الجمهوري التقليدي فاليري بيكريس، خرجت من السباق فعليا. إضافة إلى سوء إدارة حملتها، تضرر ترشحها بشدة بسبب تحول في الدعم تجاه ماكرون، الذي لم يكتف بجني الفوائد السياسية المترتبة على الحرب الأوكرانية، بل اختار أيضا تبني بعض مقترحات بيكريس السياسية.
جاءت استجابة بيكريس لتبدل حظوظها غاضبة، فاتهمت ماكرون بتزييف برنامجها. لكن مشكلة اليمين الجمهوري ليست أن ماكرون يجتذب بعض أنصار بيكريس فحسب، بل تكمن المشكلة في أنه تبنى على نحو منهجي مواقفها الأساسية، بما في ذلك التقاعد عند سن الـ 65، ومتطلبات العمل للمستفيدين من الضمان الاجتماعي، وخفض ضريبة الميراث. يرقى هذا إلى استيلاء كامل النطاق على يمين الوسط الفرنسي. وإذا أعيد انتخاب ماكرون، فسيترأس حزبا ذا برنامج شامل يجتذب الجميع، وبهذا يترك للجمهوريين الفتات، ويجدون أنفسهم محاصرين بين اليمين المتطرف المنبعث من جديد والحزب الحاكم العازم على التهامهم.
الواقع أن هدف ماكرون واضح. فهو لا يريد أن يلقى المصير ذاته الذي لقيه فاليري جيسكار ديستان، الذي لم تخلف رئاسته التي دامت سبعة أعوام، أي أثر في الحياة السياسية الفرنسية. ومثله كمثل شارل ديجول، بعد عودته إلى السلطة عام 1958، يريد ماكرون إعادة بناء اليمين من الألف إلى الياء.
الحسابات بسيطة. ففي مجمل الأمر، يسيطر اليمين الفرنسي على نحو 75 في المائة من جمهور الناخبين، بما في ذلك أنصار حزب ماكرون ذاته، الجمهورية إلى الأمام. ضمن هذه المجموعة العريضة، يتسع المجال لقوتين كبيريتين: اليمين المتطرف، الذي يمثل 30 إلى 35 في المائة من جمهور الناخبين، والجبهة الموحدة التي تضم بقية الناخبين المحافظين... يتبع.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2022.