Author

تنمية الموارد المائية

|
الماء عصب الحياة وأهم مقومات استدامة التنمية واستمرارها، عليه يعتمد الناس في شربهم واستخداماتهم البلدية الأخرى، وعليه تعتمد الزراعة، وكذلك الصناعة، مصداقا لقوله تعالى، «وجعلنا من الماء كل شيء حيا». تزداد أهمية الماء في المناطق الصحراوية أو شبه الصحراوية لندرته وصعوبة تنميته. من هذا المنطلق، تسعى المملكة من خلال رؤية المملكة 2030 والاستراتيجية الوطنية للمياه، إلى تنمية الموارد المائية والحفاظ عليها وترشيد استخدامها. وتزداد أهمية الموضوع عندما نعرف أن معدل استهلاك المياه البلدي للفرد يصل إلى 236 مترا مكعبا، مقارنة بالمعدلات الأنسب التي لا تتجاوز 150، بناء على ما ورد في استراتيجية المياه المذكورة آنفا. ليس ذلك فقط، بل تصل نسبة المياه المهدرة إلى الربع تقريبا، مقابل الممارسات العالمية التي لا تتجاوز 7 في المائة. كذلك لا تتجاوز نسبة المياه المعاد استخدامها نحو 17 في المائة فقط! وفي حين يستهلك القطاع الزراعي أكثر من 80 في المائة من المياه، التي يستخرج معظمها من مصادر المياه غير المتجددة، فإن إسهامه الاقتصادي في الناتج المحلي أقل من التكلفة.
كما أن كفاءة الري في المملكة لا تتجاوز 50 في المائة، مقارنة بنسب تراوح بين 75 و85 في المائة في مناطق أخرى من العالم، علاوة على عدم انضباط استخراج المياه الجوفية غير المتجددة ومخاطر وجود النظائر المشعة الطبيعية في بعض طبقات المياه.
وأمام هذه التحديات لم تقف المملكة مكتوفة الأيدي، بل تسابق الزمن لتنمية مواردها المائية ما بين البحر وأعماق الأرض وعنان السماء، فقد بدأت الجهود بإنشاء السدود المعروفة منذ القدم في كثير من مناطق المملكة، ولكن صار دورها في تغذية المياه الجوفية السطحية مجالا خصبا للجدل ما بين آراء تؤيد الاستمرار في إنشائها، وآراء ترى ضرورة تطوير تقنياتها، مثل مبادرة حصد المياه التي أطلقها معهد الأمير سلطان للبيئة والمياه والصحراء، وأخرى ترى بعدم فاعليتها في تنمية الموارد المائية.
وحول هذا الجدل، لم تنشر دراسات تثري هذا الموضوع.
وفي ضوء تزايد استهلاك المياه في المملكة، بذلت المملكة جهودا غير مسبوقة في مجال تحلية المياه المالحة، بحيث أصبحت المياه المحلاة تمثل نحو 60 في المائة من الإمداد الحضري.
ومن هذه الجهود مشروع مبادرة خادم الحرمين الشريفين لتحلية المياه المالحة باستخدام الطاقة الشمسية لاستغلال فرصة توافر الموارد الشمسية لمواجهة تحدي الحرج المائي في المملكة، الذي دشنه الأمير محمد بن سلمان ولي العهد في 2018. وفي ظل الإرادة القوية من لدن الحكومة، فإن الآمال كبيرة لتحتل المملكة مركز الصدارة في تقنية تحلية المياه لتكون - بإذن الله - مرجعية دولية في الخبرة الفنية والتقنية.
ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل إن هناك جهودا تشكر في مجال معالجة مياه الصرف وإعادة استخدامها، والطموح لا يزال أكبر، بالنظر إلى أنها تمثل 17 في المائة مقارنة ببعض الممارسات التي تصل إلى 60 في المائة من مياه الصرف.
والسعي وراء الماء وصل عنان السماء من خلال محاولات استمطار السحب، ففي 2009 أبرمت المملكة عقدا مع إحدى الشركات العالمية لاستمطار السحب باستخدام عشر طائرات متخصصة، وكذلك اتفاقية لإجراء تجارب في وسط المملكة خلال الفترة "2006 - 2007"، وقبلها في منطقة عسير في 2004. وأخيرا أطلق البرنامج الإقليمي للاستمطار الصناعي الذي يهدف إلى مكافحة التصحر من خلال زيادة هطول الأمطار وتنمية الغطاء النباتي.
في ضوء ما سبق، أرى ضرورة دعم تصنيع وتوريد الأجهزة والتقنيات التي تسهم في زيادة كفاء الري، إلى جانب تقديم الدعم الفني للمزارعين لتحفيزهم على تحسين كفاءة الري، ولا تزال هناك حاجة ماسة إلى تحسين كفاءة السدود من خلال تقنيات أكثر فاعلية. كما أقترح إطلاق مبادرات لدعم البحث العلمي في مجالات تنمية موارد المياه، خصوصا استخدام الطاقة الشمسية في تحلية المياه المالحة واستصلاح المحاصيل الأكثر ملاءمة للطبيعة المناخية للمملكة والأكثر عائدا للمزارعين. وأخيرا، أتمنى أن نرى إنجازات الاستراتيجية الوطنية للمياه على أرض الواقع بشكل كبير خلال الفترة المقبلة.
إنشرها