الوعظ الغذائي

كل عام وأنتم بخير في شهر الخير، وصحة في شهر الصحة ـ كما يفترض ـ وسعادة بتحقق أهدافكم التعبدية والخيرية والصحية، وأسأل الله القبول والأجر والمثوبة لكل أعمالكم.
هل لاحظت كيف يتغير استقبالك للرسائل الرمضانية عاما بعد عام، بدءا برسائل التهنئة المعلبة والجاهزة التي كنت تتلقاها من أقارب وأصدقاء بامتعاض لأنها تفتقد حميمية الاتصال المباشر وسماع الصوت، وأصبحت اليوم "تتفهم" طبيعة المرحلة وطبائع الناس، وليس انتهاء برسائل الوعظ الديني والغذائي المكررة والمنسوخة.
لعلي أركز على الوعظ الغذائي لخبرتي الطويلة في ممارسته على نفسي، ومحاولة ممارسته على من أهتم بأمره، وهي محاولة لا تنجح بالضرورة لكنه "إبراء ذمة" اختياري.
هناك اختلاف واضح في تفاعلك مع الوعظ الغذائي الرمضاني بعد تراكم الخبرة الحياتية بأشكالها المتعددة، وبالطبع بعد تراكم الشحوم في خاصرتك، وتلاشي حلم "العضلات الست" Six-packs الذي أصبح كتلة واحدة لست واثقا أنها عضلية بالكامل.
إنك تصبح أكثر اقتناعا بما يقوله الأطباء وخبراء الغذاء بأن الشهر الفضيل هو فرصة حقيقية وذهبية لتخفيف الوزن، وتخفيض نسب الدهون الضارة، ومستويات السكر التراكمي، وجميع الأشياء التي تسمعها كثيرا من سن الـ40 وصاعدا.
في المقابل يصعب تحول القناعة إلى ممارسة، فالإنسان يريد أحيانا الشيء وضده معا، يود أن يستمع إلى طبيبي القلب والباطنة وما يرددانه حول نوعية وكمية الغذاء، ويود أيضا أن يكون مشاركا في الطقوس الذي كرسها المجتمع على مدى عقود من الاستهلاك الذي ينفجر في هذا الشهر الكريم، والغريب أنه يتجه إلى أكثر الأشياء التي يحاول الأطباء معك أن تخفف منها.
لا يمكنك الحصول على نتائج جيدة في هذا الشهر الكريم عبر إعادة تمرير الرسائل والنصائح الغذائية والطبية، ظنا منك أنها ربما تجد آذانا صاغية، ويتحسن اتجاه الناس الاستهلاكي للحلويات والمعجنات واللحوم، وتتبلور "هوية" غذائية معتدلة يمكنك الانخراط فيها أو الانتماء اليها، هذا لن يحدث، وعليك إما أن "تترهبن" غذائيا لوحدك، وإما أن "تداويها بالتي كانت هي الداء" وتزيد في مقاس خصرك رقما أو اثنين على أمل تعويض ذلك لاحقا، وما أطيب "الكنافة" مع هذه "الفسحة من الأمل".
الوعظ الغذائي يغلي قبل رمضان بفقاعات كبيرة وكثيرة، ويتبخر مع أول عصرية تتجول فيها قبل الإفطار بين مطعم الفول الشهير، ومحال الحلويات، والمشكلة أنه لا يتكثف إلا على منطقة أو اثنتين من جسدك، ويبدو لي أن تصحيح هذا الوضع يبدأ من التفريق بين معنيي كلمة "عزيمة" في الفصحى والعامية المحكية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي