الاقتصاد الألماني في خطر الركود .. هل تمنع مصدات رأس المال انفجار فقاعة عقارية؟

الاقتصاد الألماني في خطر الركود .. هل تمنع مصدات رأس المال انفجار فقاعة عقارية؟
الحرب أحدثت تحولات سلبية في المعنويات الاقتصادية لدى الشركات الألمانية.
الاقتصاد الألماني في خطر الركود .. هل تمنع مصدات رأس المال انفجار فقاعة عقارية؟
الحرب أحدثت تحولات سلبية في المعنويات الاقتصادية لدى الشركات الألمانية.
الاقتصاد الألماني في خطر الركود .. هل تمنع مصدات رأس المال انفجار فقاعة عقارية؟

عندما يعلن ينس ويدمان محافظ البنك المركزي الألماني أن البنك خفض معدل النمو المتوقع للاقتصاد الألماني هذا العام من 5.2 في المائة إلى 4.2 في المائة، ويرفق ذلك بتصريح رسمي يقول فيه "لقد تم تأجيل التعافي إلى حد ما "، فإن القلق الاقتصادي لن يقف عند حدود ألمانيا بل سيمتد إلى جميع اقتصادات القارة الأوروبية وربما إلى الاقتصاد العالمي، حيث تحتل ألمانيا المرتبة الرابعة دوليا من حيث الناتج المحلي الإجمالي.
بالطبع ليست تلك هي المرة الأولى التي يضطر فيها البنك المركزي الألماني إلى خفض تقديراته بشأن النمو الاقتصادي، فعلى سبيل المثال كان معدل النمو الاقتصادي المتوقع للعام الماضي 3.7 في المائة، لكن ألمانيا لم تفلح في تحقيقه، واكتفت بمعدل نمو 2.7 في المائة.
الآن تكمن المشكلة في أن خفض التوقعات يرتبط بوضع اقتصادي دولي معقد للغاية، حيث يتوقع ارتفاع معدلات التضخم الدولية نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة، يضاف إلى ذلك ارتفاع تكاليف معظم المواد الخام ومن بينها المعادن حيث ستكون ألمانيا الخاسر الأكبر باعتبارها دولة صناعية.
هذا الوضع الاقتصادي المقلق يأتي والمستشار الألماني الجديد أولاف شولتس لم يكمل ستة أشهر في منصبه. كما أن البعض في واشنطن عد المواقف الألمانية من الحرب الروسية - الأوكرانية "ناعمة للغاية" بطريقة يمكن أن يفسرها الرئيس الروسي على أنها علامة على الضعف والتردد، ما قد يضعف الروابط بين الإدارة الأمريكية وبرلين التي يمكن أن تنعكس سلبا على التعاون الاقتصادي ليس فقط بين البلدين ولكن بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
ولـ"الاقتصادية" يعلق الدكتور كريس فايرليس أستاذ الاقتصاد الأوروبي في جامعة ليدز قائلا "اعتاد الاقتصاد الألماني الموجه للتصدير أن يكون القاطرة التي تخرج أوروبا من الركود، الآن وعلى الرغم من أن القارة الأوروبية كانت قد بدأت تتحرك للخروج من التداعيات السلبية لوباء كورونا، فإن الحرب الروسية - الأوكرانية وجهت ضربة قوية للاقتصاد الألماني".
ويضيف "الصناعة الألمانية خاصة في مجال السيارات التي تعد العصب الرئيس للاقتصاد الألماني إضافة إلى صناعة المعدات تواجه مشكلات غير مسبوقة بسبب نقص قطع الغيار وارتفاع أسعار الطاقة، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع فواتير الكهرباء إلى مستويات عالية للغاية، وسيكون على الحكومة الجديدة استثمار مئات المليارات من اليوروهات خلال الأعوام المقبلة للوفاء بمعايير الطاقة النظيفة".
ويستدرك قائلا "لكن المشكلة الآن التي تضع علامات استفهام حول مستقبل الاقتصاد الألماني تتعلق بالشركات الصينية التي ظلت لأعوام شريكا موثوقا به للشركات الألمانية تتحول الآن إلى منافس".
ربما تعد تلك الملاحظة هي جوهر أزمة الاقتصاد الألماني وربما الاقتصادات الغربية إلى حد كبير. فضعف الاقتصاد الألماني يسبق جائحة كورونا، وبدأ الإنتاج الصناعي الألماني والصادرات بالركود منذ عام 2017، ما شكل مشكلة للاقتصاد حيث يرتبط نحو 30 في المائة من الوظائف والإنتاج في ألمانيا بالطلب الخارجي أي ما يقرب من أربعة أضعاف الوضع في الاقتصاد الأمريكي أكبر اقتصاد في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي.
من جهتها، تقول لـ"الاقتصادية" فيبي أرثر الباحثة في مجال التجارة الخارجية، "في أواخر التسعينيات وأوائل القرن الـ21 تراجعت القدرة التنافسية الألمانية مقارنة بالدول الأوروبية الأخرى مثل إيطاليا على سبيل المثال، إلا أن الإصلاحات الاقتصادية القوية التي تبنتها ألمانيا في عهد المستشارة السابقة أنجيلا ميركل أدت إلى إحياء القدرة التنافسية لألمانيا، الآن الوضع مختلف، فالاقتصاد الألماني يعتمد على التصدير، والبيئة الخارجية اليوم أصبحت أكثر صعوبة مقارنة بما كان عليه الوضع قبل عقدين، حتى الصين تتجه الآن نحو تبني استراتيجية تنموية تقوم على الاعتماد على الطلب المحلي وليس التصدير للخارج".
من المؤكد أن الحرب الروسية - الأوكرانية أحدثت تحولات سلبية في المعنويات الاقتصادية لدى رجال الأعمال الألمان، فقد أشارت دراسة استقصائية نشرت قبل يومين فقط من إطلاق روسيا عملياتها العسكرية في أوكرانيا إلى أن معنويات الأعمال كانت تتعافى بعد ستة أشهر من عدم اليقين نتيجة زيادة حالات الإصابة بوباء كورونا في نهاية عام 2021، الآن وقبل أيام قليلة أشار تقرير ألماني جديد إلى أن حالة عدم اليقين السائدة حاليا في الاقتصاد الألماني بعد الحرب الروسية، أدت إلى انخفاض معنويات رجال الأعمال لتسجل أكبر انخفاض شهري لها منذ عام 1991.
عدم الثقة تلك تترافق أيضا مع معدلات تضخم آخذه في الازدياد، بحيث وصلت في شباط (فبراير) الماضي إلى 5 في المائة، وهناك مخاوف لدى الحكومة من احتمال تواصل ارتفاع معدل التضخم بعد أن أجبرت العقوبات التي تم فرضها على روسيا مئات الشركات الألمانية على التوقف عن ممارسة النشاط التجاري في روسيا، بينما تعاني شركات أخرى تداعيات قطع العلاقات المالية بين البنوك الألمانية ومعظم البنوك الروسية.
ولـ"الاقتصادية" يعلق الخبير الاستثماري ار.دي. راهول قائلا "المخاوف الراهنة تتعلق بترافق التضخم مع الركود الاقتصادي حيث سيبطئ النمو الاقتصادي الألماني، وترتفع معدلات التضخم، وكلما طال أمد الحرب الروسية - الأوكرانية بدا هذا الاحتمال أكثر ورودا".
هذا الوضع الاقتصادي المشحون بالتوتر بالنسبة إلى رجال الأعمال الألمان، يرافقه توتر من نوع آخر بالنسبة إلى البنك المركزي الألماني، يرتبط بالارتفاع المتواصل لأسعار العقارات، التي زادت بما يراوح بين 10 و30 في المائة على قيمتها الحقيقية في الآونة الأخيرة.
وتشير التقديرات الرسمية أن أسعار المنازل في ألمانيا ارتفعت أثناء جائحة كورونا 60 في المائة مقارنة بعام 2015، وخلال الربع الثالث من العام الماضي قفزت أسعار المنازل 12 في المائة لتكون ألمانيا بذلك واحدة من أسرع معدلات نمو أسعار العقارات في أوروبا الغربية.
هذا الوضع دفع بنائبة رئيس البنك المركزي الألماني إلى التحذير من خطورته، خاصة أنه آخذ في التمدد إلى خارج المدن الكبرى، وسط توقع ما يقارب من 90 في المائة من الأسر الألمانية استمرار ارتفاع أسعار العقارات.
وتحسبا لأي مشكلات مستقبلية في السوق العقارية حثت سلطات البنك المركزي الألماني المقرضين العقاريين على بناء ما تصفه بـ"مصدات رأس المال" أي أن يضع المقرضون في ألمانيا جانبا احتياطيا ماليا بقيمة 2 في المائة من القروض المضمونة بممتلكات عقارية، على أمل أن يكون ذلك وسيلة علاجية إذا تفاقمت المشكلات في سوق الإسكان، ويمكن تفعيلها سريعا بوصفها مخزونا ماليا إذا ما انفجرت السوق نتيجة دخول الاقتصاد الوطني في مرحلة الركود التضخمي، وما سينجم عن ذلك من أن قطاعا كبيرا من أصحاب العقارات الألمان سيكونون غير قادرين على سداد الأقساط الشهرية للتمويل العقاري واجبة السداد للمقرضين.
ولـ"الاقتصادية" يعلق الخبير المصرفي إس. سي جان قائلا "هناك مخاوف في سوق العقار في ألمانيا نتيجة مبالغة القطاع المصرفي في تقييم القطاع العقاري، حيث لا تقوم البنوك الألمانية بتقدير القيمة الحقيقية للضمانات التي يقدمها الراغبون في امتلاك عقار، وذلك وضع مشابه لما حدث في الولايات المتحدة والذي أسفر في نهاية المطاف عن الأزمة المالية عام 2008، والمشكلة يمكن أن تنفجر إذا قام القطاع العقاري بتعديل أسعاره مستقبلا".
ويعتقد إس. سي جان أن الاستقرار المالي في ألمانيا ومعه أوروبا ربما يكون في خطر حقيقي إذا دخلت ألمانيا مرحلة الركود التضخمي، حيث سيدفع هذا الوضع بزعزعة الاستقرار الراهن في سوق العقارات، خاصة مع ارتفاع ديون الأسر الألمانية بشكل حاد وبلوغها نحو 58 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في منتصف العام الماضي، كما زاد حجم الائتمان العقاري في ألمانيا في الأعوام الأخيرة، وتزامن ذلك مع زيادة الضغوط المعيشية نتيجة التضخم، وتدهور قدرة البنوك الألمانية على تحمل ديون المقترضين.
ربما تكون تلك المخاوف شديدة الواقعية، حيث كانت المدن الألمانية في قمة مؤشر الفقاعة العقارية الذي نشرة بنك يو بي إس السويسري في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، الذي أشار إلى أن أسعار العقارات في ألمانيا مرشحة للانخفاض مستقبلا، بعد أن احتلت مدينة فرانكفورت قائمة مؤلفة من 25 مدينة عالمية للمدن المبالغ في أسعار العقارات فيها بينما احتلت ميونخ المرتبة الرابعة.

الأكثر قراءة