"وارن بافيت" أسطورة وول ستريت العجوز .. من بائع زجاجات كوكا كولا إلى أكبر مساهمي الشركة
من طفل عمره 6 أعوام يبيع زجاجات المياه الغازية لشركة كوكا كولا في ثلاثينيات القرن الماضي، إلى أكبر مساهم في شركة كوكا كولا ذاتها التي تعد الأضخم في قطاعها.
إنه أسطورة وول ستريت ومستثمري الأسهم عبر التاريخ وارن بافيت وهو خامس أغنى شخص على كوكب الأرض بنحو 170 مليار دولار.
"بافيت" أعلن تنحيه أمس عن منصبه كرئيس تنفيذي لشركة بيركشاير هاثاواي، بعد أن حولها إلى شركة بحجم دولة، تتجاوز قيمتها السوقية تريليون دولار تضعها ثامن أكبر شركة في العالم.
لم تصل شركته لهذه المكانة عبثا، لكن نتيجة تراكم خبرات وجهود جبارة ومخططة، دفعت محفظة الشركة في الأسهم إلى التفوق على أداء مؤشر إس آند بي 500 الأمريكي.
خلال 60 عاما (من 1965 إلى 2024) بلغ العائد الكلي لمحفظة بافيت 5,500,000% (19.9% عائد سنوي مركب) مقابل 39,000% (10.4% عائد سنوي مركب) للمؤشر.
محفظة بافيت
بافيت تحول من بائع للعلكة وزجاجات كوكا والصحف إلى أكبر مساهم في شركات من بين الأضخم في العالم مثل كوكا كولا وبنك أوف أمريكا وأمريكان إكسبريس.
تضم محفظة شركة بيركشاير هاثاواي حصصا في 38 شركة بقيمة إجمالية 267 مليار دولار بنهاية 2024، 5 شركات منها تمثل تقريبا ثلاثة أرباع المحفظة.
أكبر الملكيات في مصنعه الآيفون أبل 75.1 مليار دولار تمثل 28.1% من المحفظة، ثم أمريكان إكسبريس 45 مليار دولار (16.8%)، بينما تملك شركة بافيت أسهما بـ30 مليار دولار في بنك أوف أمريكا (11.2%)، و25 مليار دولار في كوكا كولا (9.3%)، وخامسا شيفرون التي يملك فيها بافيت وشركته 17 مليار دولار تمثل 6.4% من محفظته.
الاستحواذ على بيركشاير
بدأ تاريخ بيركشاير هاثاواي قبل عهد بافيت في القرن الـ19 بمصنعي قطن منفصلين في ماساتشوستس، هما بيركشاير فاين سبينينج أسوشيتس وهاثاواي للتصنيع. اندمجت الشركتان عام 1955 لتشكلا شركة بيركشاير هاثاواي.
في عام 1965، اشترى وارن بافيت وشركته الاستثمارية ما يكفي من الأسهم للسيطرة الكاملة على الشركة المتعثرة كأول تجربة لفلسفته في الاستثمار في الشركات المتعثرة، ثم اشتروا شركة التأمين الوطنية، في أول عمليات الاستحواذ على شركات التأمين العديدة التي تلتها، لاحقا أبعد بافيت بيركشاير عن صناعة النسيج بتصفية تلك الأصول بالكامل.
ووسعت الشركة استثماراتها لتشمل شركات في القطاعات المالية، والملابس، والترفيه، والأغذية والمشروبات، والمرافق، والأثاث، والمنتجات المنزلية، والإعلام، والمواد والبناء.
الصبر مفتاح فلسفته
منذ بداياته والصبر أهم مفاتيح بافيت في حياته، حيث اشترى أول سهم وعمره 11 عاما في شركة "Cities Service Preferred" وهي شركة غاز طبيعي وتدعى اليوم "Citgo". قام بافيت بشراء 3 أسهم بـ38 دولارا للسهم الواحد، ثم انخفض السعر إلى 27 دولارا للسهم، لكن بافيت انتظر عودة السهم ليصل إلى 40 دولارا، ثم باع الأسهم محققاً بذلك ربحاً صغيراً.
كان هذا الدرس الأول للصبر خاصة بعد تحقيقه ربحا بعد عودة السهم للارتفاع، كذلك بعد بيع بافيت صعد السهم لاحقا إلى 200 دولار للسهم، ما عزز من فهمه لأهمية الصبر في عالم الاستثمار، وأصبحت هذه فلسفته الرئيسية للاستثمار.
مستثمر منذ نعومة أظفاره
كان بافيت مستثمرا منذ نعومة أظافره، حيث بدأ في العمل منذ بداياته ببيع زجاجات كوكا كولا والصحف، وفي سن الـ11 بدأ يعمل في بيت السمسرة الذي كان يديره والده حيث اشترى أسهمه الأولى.
وعندما أصبح في الـ14 من عمره (1945) كان يجني 175 دولاراً في الشهر من توزيع صحيفة "واشنطن بوست". كما اشترى أرضاً زراعية في نبراسكا مساحتها 40 آر (100 متر مربع) مقابل 1200 دولار. كما اشترى ماكينة ألعاب بيمبول ووضعها أمام محل حلاقة ثم زاد عدد الماكينات في أماكن مختلفة.
تأثير جراهام
بنجامين جراهام مؤلف كتاب "المستثمر الذكي" الذي يعد الأشهر في عالم الاستثمار، كان له التأثير الأكبر في فلسفة وارن بافيت الاستثمارية.
كان بافيت شغوفا بجراهام وكتابه حتى التقاه في جامعة كولومبيا التي درس فيها بافيت وكان جراهام أستاذا فيها، ثم أصبح بافيت يشارك جراهام في إدارة شركته الاستثمارية "Graham-Newman Corporation" حتى تقاعد الأخير.
تأثر بافيت بشكل كبير بمفاهيم جراهام حول "الاستثمار القيمي"، وهو نهج يركز على شراء الأسهم التي يتم تداولها بأقل من قيمتها الحقيقية.
تبنى بافيت هذه الفلسفة في إستراتيجية استثماره وأكد دائما أنها كانت أساس نجاحه. بالنسبة إلى بافيت، كان جراهام بمنزلة المرشد والموجه، ولا يزال يذكره بإجلال وتأثيره الكبير فيه.
نصائحه الاستثمارية
لا تخسر المال: تعد إحدى أكثر نصائح بافيت شهرة بشأن المال هي التحذير من خسارته، إذ يرى أنه من الصعب للغاية العودة من حيث بدأت، وذلك بجانب صعوبة جني المكاسب، لذا نصيحته الثانية هي ألا تنسى النصيحة الأولى (لا تخسر المال).
الحصول على قيمة مرتفعة لكن بسعر منخفض: في خطابه عام 2008 للمساهمين في الشركة، قال بافيت "إن السعر هو ما تدفعه، لكن القيمة هي ما تحصل عليه".
استثمر في ذاتك: شدد على أهمية الاستثمار في الذات، قائلا "أنت أكبر أصولك، أي شيء تفعله لتحسين مواهبك وجعل نفسك أكثر قيمة سيؤتي ثماره".
وشدد بافيت على أن أي شيء تستثمره في نفسك ستحصل عليه 10 أضعاف، لأنها عكس الأصول والاستثمارات الأخرى لا يمكن فرض ضرائب عليها أو سرقتها.
استثمر فيما تفهم: اشترِ أسهم الشركات التي تفهم نموذج عملها وتستطيع تقييمها بشكل منطقي، وإذا كنت لا تفهم كيف تعمل الشركة، فسيكون من الصعب تقييم قيمتها الحقيقية.
استثمر على المدى الطويل: بافيت يشدد على أهمية النظر إلى الاستثمار كأسلوب طويل الأجل، وليس كمحاولة لتحقيق أرباح سريعة من تقلبات السوق اليومية.
التفكير بعقلية المالك: عند شراء أسهم في شركة، فكر كأنك تشتري الشركة بأكملها، هذا يعني التركيز على صحة ونمو الأعمال الأساسية للشركة بدلاً من التركيز على حركة سعر السهم اليومية.
تجنب الديون المفرطة: حذّر بافيت من استخدام الرافعات المالية (الدين) بشكل مفرط للاستثمار، حيث إن هذا يزيد من مخاطر الاستثمارات بشكل كبير.
الصبر والانضباط النفسي: الاستثمارات الناجحة تتطلب الصبر والانضباط النفسي، فلا تدع العواطف مثل الخوف أو الطمع تؤثر في قراراتك الاستثمارية.
التعلم المستمر: بافيت قارئ نهم ويشجع المستثمرين على قضاء الوقت في التعلم المستمر، سواء من خلال قراءة الكتب أو الاطلاع على التقارير السنوية للشركات.
احتفظ بسيولة: دائماً احتفظ بجزء من استثماراتك في صورة سيولة نقدية، لأن ذلك يمنحك الفرصة للاستفادة من الفرص الجديدة عندما تتاح.
التركيز على الجودة: يفضل الاستثمار في شركات ذات ميزات تنافسية قوية، مثل العلامات التجارية الراسخة أو التكنولوجيا الفريدة التي تميزها عن باقي المنافسين.
استثمار الأرباح: يعد إعادة استثمار الأرباح طريقة فعالة لتنمية الثروة على المدى الطويل.
الوقت في السوق أفضل من توقيت السوق: بدلاً من محاولة توقع أفضل الأوقات لدخول أو خروج السوق، يستمر بافيت في الاستثمار بثبات مع مراعاة الالتزام بالاستثمار بأسلوب طويل الأجل.
تعدد مصادر الدخل: لا تعتمد على استثمار واحد فقط، فالتنويع يعتبر وسيلة لتقليل المخاطر، بشرط ألا يكون ذلك على حساب فهم مفصل للفرص المختلفة.
أخطاء بافيت
كانت هناك أيضًا بعض الأخطاء العرضية. اعترف بافيت بأنه دفع كثيرا مقابل شركة تصنيع معدات الطيران Precision Castparts، وهي صفقة أدت إلى شطب بقيمة 10 مليارات دولار في عام 2020. تأخر بافيت ومونجر بشكل ملحوظ عن رؤية القيمة في أسهم التكنولوجيا، على الرغم من أنه سارع لاحقا في شراء أسهم Apple وأصبحت أكبر حيازاته من الأسهم.
رسائل بافيت الوداعية
خلال مؤتمره الوداعي أمس، أوضح بافيت أن الولايات المتحدة الأمريكية قد تشهد بعض التغيرات الاقتصادية والسياسية التي قد تدفع البعض لمحاولة تكنيز عملات أخرى بخلاف الدولار.
وأضاف أنه "لا يتوقع أن يكون المجال مهيأ لصفقات عظيمة في الوقت الحالي، وأن هذا الوضع قد يستمر لمدة تصل إلى 5 سنوات".
اعترض بافيت على سياسات ترمب والحرب التجارية، مؤكدًا أن "التجارة لا ينبغي أن تكون سلاحا"، مضيفا أن "التجارة قد تكون بمنزلة فعل حرب".
علق بافيت على الأحداث في سوق البورصة الأمريكية خلال الفترة الماضية (30 - 45 يوما) بأنها لا تمثل أي شيء حقيقي، مشيرا إلى أنها كانت تمثل تلاعبات وحركة لا تهتم بأساسيات السوق.
خلال الإعلان، قدم بافيت نصيحة ذكية للمستثمرين، حيث اقترح أن يسألوا الرؤساء التنفيذيين سؤالا افتراضيا لفهم رؤية الشركات بعمق.