"وبس هذا فطوركم"

بعد عدة أيام سيطل علينا شهر الخير بلياليه الروحانية وأيامه المباركة، وستتسابق النساء في التفنن بأصناف الطعام والمشروبات، وسيتحملن الجوع والعطش و"الكرف" أمام حرارة نار الفرن وضغط الأعمال المطبخية فقط، ليدخلن السعادة والرضا على قلوب الأبناء والأزواج، ورغم كل ذلك سيفاجأن بأحدهم يقول "وبس هذا فطوركم؟".
المسألة ليست محصورة فقط في النرجسية وعدم إحساس الأبناء بالجهد الذي تبذله الزوجات والأمهات والأخوات في رمضان والبخل عليهن بكلمات لطيفة، تبدد كل التعب والضغوطات التي يعشنها يوميا من بعد صلاة الظهر إلى قبل آذان المغرب بدقائق، بل الأمر يتعدى ذلك إلى عدم الإحساس بالنعم التي يرفلون فيها والانسلاخ التام عما يجري في العالم من حولهم، لذلك أخبروا أبناءكم أنهم أكثر حظا من 800 مليون جائع في العالم لا يجدون ما يسد رمقهم ويبقيهم على قيد الحياة، وأقصى حلم كل جائع منهم أن يحظى بصنف واحد من الموجود على سفرة الإفطار التي لم تحصد إعجابهم، وأخبروهم أنهم أكثر حظا من 26 مليون لاجئ في العالم يعيشون في ظروف إنسانية بالغة السوء ويحلمون برفاهية يوم واحد مما يعيشه هؤلاء الأبناء المتذمرون، وأخبروهم أن مطبخ العائلة ليس مطعم خمسة نجوم يقدم لهم "المنيو" ليختاروا منه قائمة الطعام التي تعجبهم، والوالدة ليست "شيفا" حتى تتلقى طلباتهم صعبة الإرضاء، فجدول واجباتها المنزلية لا يكاد ينتهي في رمضان وبالكاد تلتقط أنفاسها بين كل تلك المهمات المتعبة والمتتالية، لتوجد لها وقتا للصلاة وقراءة القرآن. أخبروهم أن زوال النعم مرهون بعدم شكرها وطقوس التذمر التي يمارسها بعض الأبناء على مائدة الإفطار، يجب أن تتوقف بكل حزم تأدبا واحتراما.
إشكالية بعض الأهل أنهم ينساقون خلف عواطفهم ويشعرون بتأنيب الضمير لأن أصناف الطعام لم تعجب أبناءهم "ولا تطاوعهم" قلوبهم أن يظلوا جائعين، فيوافقوا على طلباتهم بشراء الأكل الجاهز من المطاعم، ما يجعل طعام المنزل يتكدس في القدور وبالتالي إن لم يتمكنوا من التصدق به فغالبا سيكون مصيره الهدر.
وخزة:
الحزم في وضع القواعد لا يعني القسوة، والدلال الزائد لا يعني التحضر، ومحاولة إرضاء الأبناء بشكل مبالغ فيه من خلال التنوع المبالغ لأصناف الطعام على سفرة رمضان، سيولد فيهم الأنانية المفرطة وعدم الإحساس بجهد الأمهات المبذول والتعود على النعم حتى ينسوا وجوب شكرها!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي