العواقب الاقتصادية لحرب أوكرانيا

لقد كانت الحرب الروسية لأوكرانيا سريعة ومؤثرة ولكن العواقب الاقتصادية المترتبة عنها ستكون أبطأ وأقل إثارة. الحرب في حد ذاتها حدثا مأساويا للغاية، أولا وقبل كل شيء بالنسبة إلى الشعب الأوكراني، ولكن أيضا بالنسبة إلى الشعب الروسي والنظام العالمي بشكل عام. عندما تحدث حرب من هذا النوع، نتوقع أن تكون مثل مسرحية أخلاقية حيث تتجسد جميع العواقب السيئة بعنف على كل الجبهات، بما في ذلك الاقتصاد. لكن الاقتصاد لا يعمل بهذه الطريقة.
صحيح أن الأسواق المالية استجابت بسرعة لأخبار الحرب. فقد انخفض مؤشر "مورجان ستانلي" لجميع دول العالم، وهو مؤشر رئيس للأسهم العالمية، إلى أدنى مستوى له في غضون عام تقريبا. كما ارتفع سعر النفط إلى ما يزيد على 100 دولار للبرميل، في حين ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي الأوروبي في البداية بنحو 70 في المائة.
ستؤثر زيادات أسعار الطاقة تأثيرا سلبيا في الاقتصاد العالمي. لقد أصبحت أوروبا معرضة للخطر بشكل خاص، لأنها لم تبذل أي جهد يذكر في الأعوام الأخيرة لتقليل اعتمادها على الغاز الروسي، وفي بعض الحالات - ولا سيما ألمانيا، التي تخلت عن الطاقة النووية - أدت إلى تفاقمه.
ستواجه الدول المستوردة للنفط نتائج سلبية جراء ارتفاع الأسعار. تعد الولايات المتحدة أكثر تحفظا، نظرا إلى أن إنتاجها من النفط يساوي استهلاكها للنفط، فإن النفط الأكثر تكلفة يكون محايدا تقريبا بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي. لكن ارتفاع أسعار النفط من شأنه أن يضر بالمستهلكين الأمريكيين بينما يساعد شريحة محدودة أكثر من الشركات والعاملين المرتبطين بصناعة النفط والغاز. ستؤدي الأسعار المرتفعة أيضا إلى زيادة معدل التضخم، الذي وصل بالفعل إلى أعلى مستوياته منذ جيل في الولايات المتحدة وأوروبا وغيرهما من الاقتصادات المتقدمة.
ومع ذلك، تعد بعض وجهات النظر حول هذه النتائج المباشرة منطقية. عند بلوغه 100 دولار للبرميل، يكون النفط أقل بنحو ربع من سعره المعدل حسب التضخم خلال الفترة ما بين 2011 و2014. علاوة على ذلك، فإن أسعار العقود الآجلة للنفط أقل من الأسعار الفورية، ما يشير إلى أن الأسواق تتوقع أن تكون هذه الزيادة مؤقتة. وبالتالي، قد تنظر البنوك المركزية إلى حد كبير في الأحداث التي تجري في أوكرانيا، دون أن تتوقف عن تشديدها أو تسريعها استجابة لارتفاع معدلات التضخم الإجمالية. كما ظلت أسواق الأسهم العالمية مرتفعة خلال العام الماضي.
وعلى نحو مماثل، على الرغم من انخفاض سوق الأسهم الروسية بشكل كبير منذ بداية الحرب، فمن غير المرجح أن تخلف العقوبات الغربية آثارا فورية هائلة. نادرا ما يكون لهذه العقوبات آثار سلبية، كما أنها ليست المعادل الاقتصادي للحرب التي تشنها روسيا حاليا على أوكرانيا بأي حال من الأحوال.
علاوة على ذلك، فإن روسيا أكثر استعدادا من معظم الدول لتحمل العقوبات. لقد حققت البلاد فائضا ضخما في الحساب الجاري، وقد جمعت احتياطيات قياسية من النقد الأجنبي بلغت 630 مليار دولار - وهو ما يكفي لتغطية ما يقرب من عامين من الواردات. وبينما تعتمد روسيا على عائدات أوروبا، يعتمد الأوروبيون على النفط والغاز الروسيين - وقد يكون من الصعب استبدالهما على المدى القريب.
ومع ذلك، على المدى الطويل، من المرجح أن تتضرر روسيا نتيجة الصراع "بعد أوكرانيا، التي ستتجاوز خسائرها بكثير ما يمكن قياسه في الحسابات القومية". فقد ظل اقتصاد روسيا ورفاهية سكانها في حالة ركود منذ ضم الكرملين شبه جزيرة القرم في 2014. وستؤدي العقوبات إلى زيادة الخسائر، بينما ستتسبب العواقب المتزايدة لروسيا، فضلا عن تزايد الشكوك لدى المستثمرين، في إضعاف التجارة والروابط الاقتصادية الأخرى. إضافة إلى ذلك، من المتوقع أن تعمل أوروبا على الحد من اعتمادها على وقود روسيا.
ستكون العواقب الاقتصادية طويلة المدى لبقية العالم أقل خطورة بكثير مما هي عليه بالنسبة إلى روسيا، لكنها ستظل تشكل تحديا مستمرا بالنسبة إلى صناع السياسات. هناك خطر، وإن كان مستبعدا نسبيا، يتمثل في أن يغذي ارتفاع معدلات التضخم على المدى القصير توقعات التضخم المتقلبة على نحو متزايد، وبالتالي يتحول إلى تضخم دائم. وإذا حدث ذلك، فستصبح مهمة البنوك المركزية الصعبة بالفعل أكثر تعقيدا.
فضلا عن ذلك، من المرجح أن ترتفع ميزانيات الدفاع في أوروبا والولايات المتحدة وبعض الدول الأخرى لتعكس الوضع العالمي الخطير بشكل متزايد. لن يؤدي هذا الأمر إلى خفض نمو الناتج المحلي الإجمالي، لكنه سيحد من رفاهية الناس، حيث يتعذر توجيه الموارد المخصصة للدفاع نحو الاستهلاك أو الاستثمار في التعليم أو الرعاية الصحية أو البنية التحتية.
إن العواقب المتوسطة والطويلة الأجل التي يعانيها الاقتصاد العالمي والمترتبة على الحرب ستعتمد على الخيارات. لقد حددت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحكومات أخرى خيارات أولية بشأن فرض العقوبات، لكن لم يتضح بعد كيف ستستجيب روسيا لهذه العقوبات أو ما إذا كانت ستواجه عقوبات جديدة. وفي حال تصاعدت العقوبات والاستجابات المضادة، ستكون التكاليف - أولا وقبل كل شيء بالنسبة إلى روسيا، ولكن إلى حد ما بالنسبة إلى بقية الاقتصاد العالمي أيضا.
ولكن مع استمرار ردود الفعل العالمية للحرب تبدو المخاوف بشأن الناتج المحلي الإجمالي ضئيلة نسبيا. والأهم من ذلك بكثير هو عالم تشعر فيه الشعوب والدول بالأمان. وهذا شيء يستحق أن ندفع ثمنه - حتى لو كان أكثر مما يتوقعه قادة العالم حتى الآن.
خاص بـ "الاقتصادية"
بروجيكت سنديكيت، 2022.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي