تحدي القدرة التنافسية الجغرافية الاقتصادية في أوروبا

لا يميل خبراء الاقتصاد إلى القلق كثيرا بشأن القدرة التنافسية الدولية لأي بلد، حيث تفيد التجارة والاستثمار عبر الحدود الجانبين عموما، كما أن النمو الأسرع في دولة ما يفيد الدول الأخرى التي يمكنها الاستفادة من أسواقها المتنامية. إن الإنتاجية المحلية هي التي تحدد الرخاء الوطني، وليس القدرة على التفوق على الآخرين. ولهذا السبب، وصف بول كروجمان قبل ثلاثين عاما القدرة التنافسية بأنها "هوس خطر".

تنطوي المحاسبة في الجغرافيا السياسية على معيار مختلف تماما لتقييم الاقتصاد، وذلك لأن الجغرافيا السياسية تدور حول القوة، وهو يعد بالضرورة أمرا نسبيا. عندما يتعلق الأمر بالسلطة، فإن الحجم مهم - لكن مدى جودة حياة الناس ليس أمرا مهما. بعبارة أخرى، في "الجغرافية الاقتصادية" ــ إذا استخدمنا مصطلح لوتواك ــ يشكل الاقتصاد مصدرا للقوة، وليس بالضرورة مصدرا لرفاهية السكان.

هذا التمييز مهم، وخاصة بالنسبة للاتحاد الأوروبي. ومن منظور مستوى المعيشة ــ قياسا بالناتج المحلي الإجمالي على أساس تعادل القوة الشرائية ــ حققت أوروبا أداء جيدا في العقود الأخيرة. وحتى منطقة اليورو المتباطئة تمكنت من مواكبة الولايات المتحدة من حيث نمو نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي. في الواقع، كان نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في أوروبا نحو ثلاثة أرباع نظيره في أمريكا لأكثر من ربع قرن من الزمن.

لذلك، لا نحكم الآن على اقتصاد أوروبا من خلال مدى نجاحه في تمكين الناس من العيش، بل من خلال حجمه نسبة إلى الآخرين. وبحسب هذا المقياس، يعرف الاتحاد الأوروبي تراجعا ملحوظا. إن نمو الناتج المحلي الإجمالي في الاتحاد الأوروبي بمعدل 1 % سنويا يعد الأدنى بين الاقتصادات المتقدمة، وأرقام النمو المخيبة للآمال ليست بالأمر الجديد. تتراجع حصة الاتحاد الأوروبي في الاقتصاد العالمي بسرعة أكبر بكثير من حصة الولايات المتحدة.

وفي حين يتأثر هذا المقياس بشدة بتحركات أسعار الصرف، إلا أن هذه التحركات تتضاءل مع مرور الوقت. وبالنظر لأسعار الصرف الحالية ــ التي تقترب من تلك التي كانت سائدة عند طرح اليورو ــ لا تزال الولايات المتحدة، التي يبلغ ناتجها المحلي الإجمالي 25 تريليون دولار، تمثل نحو ربع الاقتصاد العالمي (نحو 100 تريليون دولار)، في حين تمثل منطقة اليورو، التي تتمتع باقتصاد أصغر بكثير، نحو ربع الاقتصاد العالمي (نحو 100 تريليون دولار)، في حين تمثل منطقة اليورو، مع اقتصاد لا تتجاوز قيمته 14 تريليون دولار، نحو السدس فقط. عندما تم إنشاء اليورو كان الفارق أصغر بكثير.

إن عواقب هذا التراجع بعيدة المدى. بداية، من غير المرجح أن تنجح أي جهود تهدف إلى ترسيخ اليورو كمنافس حقيقي للدولار الأمريكي بوصفه عملة عالمية رائدة. علاوة على ذلك، فإن قدرة الاتحاد الأوروبي على الاستفادة من الوصول إلى سوقه (الأكبر في العالم، كما يحب أن يتباهى) لتعزيز الأهداف الجيوسياسية الأوروبية آخذة في التراجع. في الواقع، من حيث الإنفاق الاستهلاكي، تعد سوق الاتحاد الأوروبي أصغر بكثير بالفعل من سوق الولايات المتحدة وتتخلف عن الصين.

تتمثل المشكلة الأكثر جدية في أن "منطق الصراع" يميل إلى أن يؤدي إلى سياسة اقتصادية سيئة. في حالة الصراع، يجب على الدولة الدفاع عن أراضيها. ومن الممكن بسهولة ترجمة هذه الحتمية إلى سياسات تهدف إلى الدفاع عن الصناعات المحلية ضد المنافسة الأجنبية. عندما صاغ لوتواك مصطلح الجغرافية الاقتصادية في 1990، أوصى بأن تعمل الولايات المتحدة على حماية صناعتها التحويلية وتبني سياسة تجارية أكثر تقييدا. ولكن كما تظهر دراسة حديثة أجراها صندوق النقد الدولي، فإن حماية الصناعة المحلية تشكل وصفة للركود، وليس النمو.

إن الدرس المستفاد بالنسبة لأوروبا واضح للغاية: يجب أن يحفز منطق الصراع الزعماء على إنعاش اقتصاد الاتحاد الأوروبي، ولكن لا ينبغي لهذا المنطق أن يملي عليهم كيفية القيام بذلك.

خاص بـ "الاقتصادية"

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2024.

www.project-syndicate.org

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي