جوال أثري

أحيانا قد يفكر الكاتب بطريقة مختلفة عن الآخرين بل ربما تكون "شاطحة" نوعا ما. الأسبوع الماضي كنت في زيارة للمتحف الوطني في الرياض مع أبنائي. تجولنا بين قاعاته المختلفة التي تحكي حضارة الإنسان خلال عصور سحيقة قد تصل إلى مئات الأعوام قبل الميلاد، وشاهدنا عديدا من الآثار التاريخية المتبقية من تلك الحضارات المندثرة، ما بين أوان فخارية مزخرفة بطريقة مذهلة وأسلحة حربية عجيبة خصوصا تلك الخاصة بالإنسان الحجري ومصوغات ذهبية أنيقة، وكتابات قديمة تحتوي على رموز وتماثيل منحوتة بشكل مدهش إلخ. كل تلك الحضارات من عهد ما قبل الميلاد إلى الإنسان الحجري مرورا بالعصور الأخرى التي لا يتسع المجال لذكرها حتى الوصول إلى عصرنا الحالي، كل تلك الحضارات المتتالية التي لم يتبق منها سوى آثار عظيمة تعرض في المتاحف دفعني إلى التساؤل: هل حضارة الثورة التكنولوجية التي نعيشها في عالمنا اليوم ستصبح في يوم ما حضارة مندثرة لن يتبقى منها سوى آثار تعرض في المتاحف؟!
هل بعد ألف عام من الآن سيقف زائر متحف أمام صندوق زجاجي يحوي داخله "هاتف جوال أثري" ويقول لصاحبه، في حضارة الثورة التكنولوجية كانوا يستخدمون هذه الوسيلة للتواصل فيما بينهم، وكانت وسائل التواصل الاجتماعي عندهم تسمى بـ"السناب" و"تويتر" و"فيسبوك و"إنستجرام" و"الواتساب"، حيث يتبادلون الأخبار والأحداث بطريقة بدائية.
هذا التفكير دفعني إلى التساؤل وأنا أتجول بين قاعات المتحف الرائعة: هل يدرك زائر المتحف أن ما يشاهده ليس فقط آثار مندثرة بل هي حكايات إنسانية طوتها الأزمنة، فتلك الجرة الفخارية صنعها عامل لا نعلم كيف كانت حالته النفسية وقتها، واشتراها رجل وضعها في بيت لا ندري ما هي الأحداث اليومية التي كانت تجري فيه، ثم زهد فيها من أتى بعدهم ثم طواها الزمن تحت أكوام من الرمال ثم تم اكتشافها وهكذا. كل قطعة آثار في المتحف الوطني تستحق أن تقف أمامها وتتخيل كم من الحكايات الإنسانية التي كانت شاهدة عليها عبر كل تلك الأزمنة السحيقة.. تأملها جيدا حتى تنصهر معها ثم بعد ذلك اسأل نفسك. إذا كان كل من يعيشون في هذا العالم سيكونون مجرد حضارة مندثرة بعد ألف عام ولن يتبقى منهم إلا آثار معروضة في المتاحف، فهل حان الوقت لتفكر بطريقة مختلفة تمنحك مزيدا من التأمل الذي قد يكون أحد أسباب سعادتك وتغيير حياتك.

وخزة:
المتحف الوطني في الرياض معلم وطني نفتخر فيه.. وأجمل رحلة عبر الزمن.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي