Author

فصل الأطفال عن آبائهم في السويد .. أين الخلل؟

|
أستاذ جامعي ـ السويد
انتشرت في الآونة الأخيرة مقالات في بعض الصحف العربية أن السلطات السويدية تأخذ عنوة أطفال اللاجئين السوريين وتضعهم تحت حمايتها وإشرافها في أماكن منعزلة يتعذر على الوالدين رؤيتهم فيها.
وعلى صفحات وسائل التواصل الاجتماعي لا يزال هناك سجال حامي الوطيس أغلبه إدانة وتنديد بالسويد، وقد عرجت على هاشتاج في منصة تويتر يحمل مئات التغريدات تحت يافطة مفادها أن السويد بلد فاش.
السويد ليست الدولة المثالية أو دولة العدالة الكاملة التي يدعو لها أفلاطون، بيد أنها دولة قانون، تحكمها مؤسسات تتمتع بقدر كبير من الاستقلالية ولا سلطة عليها غير الدستور والتعليمات الجارية وما يقرره القضاء.
ومشكلة استحواذ السلطات على الأطفال وفصلهم عن أمهاتهم وآبائهم قديمة، لكنها طفحت للسطح بعد مقدم أعداد غفيرة من اللاجئين السوريين حيث تقريبا تضاعف عدد الأطفال الذين وضعت الدولة يدها عليهم من 17,200 عام 2010 إلى 32 ألفا عام 2014، أي: بعد نحو عامين من وصول الموجات الأولى من اللاجئين السوريين إلى السويد.
ولأن عملية أخذ الأطفال من والديهم أصبحت قضية على مستوى البلد برمته لما تثيره من شجون، ارتأت السلطات عدم نشر أرقام سنوية لعدد الأطفال الذين هم في حماية الدولة خارج حضن عائلاتهم للأعوام الماضية. ويقدر بعض المصادر أن العدد قد يصل إلى أكثر من 50 ألف طفل، وهو عدد كبير جدا ومخيف في آن. بالطبع، فإن هذا العدد الكبير ليس حصرا على السوريين، لكن الإحصائيات تظهر أن الأغلبية العظمى منهم من والدين قدما من الشرق الأوسط.
يجري التركيز على السوريين لأن أعدادهم غفيرة حيث يشكلون ثاني أكبر جالية أجنبية في السويد بعد الفنلنديين. يصل عدد السوريين في السويد إلى أكثر من 170 ألفا قدموا في غضون العشرة أعوام الماضية بعد أن أصيب بلدهم بنكبة مدمرة.
ويختلف السوريون عن باقي الجاليات الشرق أوسطية الكبيرة في السويد. في أقل من عقد، أثبت السوريون جدارة منقطعة النظير في الولوج في المجتمع السويدي من أوسع أبوابه واحتلال مراكز وظيفية مهمة وإقامة مشاريع تجارية لافتة للنظر. من النادر أن تذهب إلى مستشفى أو مؤسسة تعليمية دون أن يقع ناظرك على سوري في مكان بارز منها.
وللسوريين وجود كثيف في الإعلام، ليس السويدي منه مع الأسف، بل الإعلام العربي وبعض الوسائل منه التي تنطق بالإنجليزية. أما عن حضورهم في وسائل التواصل الاجتماعي فحدث ولا حرج شأنهم شأن أشقائهم من الدول العربية الأخرى خصوصا التي عمتها الفوضى في العقدين الأخيرين. إن حرب الكلمات والاستقطاب والتحزب بين الفصائل السورية المتناحرة لها وقع يساير وقع الألم والفاجعة والخراب الذي حل ببلدهم الجميل.
عندما يصل عدد الأطفال الذين أجبرت الدولة الأمهات والآباء على التخلي عنهم وتسليمها مقاليد معيشتهم وتربيتهم حتى يبلغوا سن الرشد "18 عاما" إلى أكثر من 50 ألفا، حسب بعض المصادر، فلعمري هذه فاجعة إنسانية، لأنها تعني أن هناك نحو 100 ألف أب وأم في معاناة شديدة في السويد.
والمشكلة ليست محصورة في منطقة أو أخرى. إنها محسوسة على مساحة البلد برمته ومن النادر أن تلتقي شخصا من أصول أجنبية إلا وله علم بها أو له معارف يعانونها. والمشكلة ليست محصورة في فئة الأطفال فحسب. هناك عدد كبير من النساء المتزوجات اللواتي فصلن عن أزواجهن عنوة "أي: من خلال قرار قضائي" بعد تلقي شكاوى عن سوء المعاملة. حتى وقت قريب كان على السلطات إماطة اللثام عن أي إحصاء مهما كان نوعه للصحافة، إلا أنه في الأعوام الأخيرة بدأنا نفقد الوصول إلى الأرقام الرسمية عن الذين تعيلهم الدولة خارج كنف عائلاتهم.
وعندما تفصل زوجة عن زوجها، يلتحق الأطفال بالزوجة في الأغلب. عدد هؤلاء الأطفال غير معلوم ولا يندرج ضمن رقم عشرات الآلاف من الأطفال الذين تسحبهم الدولة من والديهم.
ما أود قوله هنا: إن المسألة ليست بالبساطة التي يسردها الناس في وسائل التواصل الاجتماعي أو كما تنقلها الصحافة والإعلام في الشرق الأوسط.
قد يدمع المرء وهو يشاهد فيديو أم تنتحب فقدان بنتها أو ابنها لما تراه أنه عمل تعسفي من قبل السلطات السويدية، بيد أن العاطفة في السويد شيء والقانون شيء آخر. العاطفة الإنسانية مهمة وكلنا في حاجة ماسة إليها، إلا أن النظام في السويد مبني على العقل والعلم والمنطق الذي بموجبه تقدم الدولة حماية كاملة للأطفال. الطفل حاجة مقدسة في السويد وثروة وطنية، أي إن تنشئته جزء من الواجب الوطني لكنه يتقدم على أي واجب وطني آخر لدى السلطات.
أين الخلل إذن؟ ومن السبب وراء الغياب القسري وفي أماكن مجهولة لعشرات الآلاف من الأطفال أغلبهم لآباء وأمهات قدموا من الشرق الأوسط إلى السويد؟
سأحاول الإجابة عن هذا التساؤل في سلسلة مقالات للفائدة العامة.
إنشرها