Author

التضخم والبرامج الابتداعية واستراتيجية المعالجة «2 من 2»

|

أستاذ الاقتصاد السياسي الدولي ـ كلية كينيدي ـ جامعة هارفارد ـ رئيس الرابطة الاقتصادية الدولية.

السؤال المطروح هنا ترى ماذا قد يعني النهج السياقي في التعامل مع التضخم اليوم؟.
يختلف التضخم الحالي في الولايات المتحدة وعديد من الاقتصادات المتقدمة الأخرى إلى حد كبير عن التضخم في أواخر سبعينيات القرن الـ 20. فهو ليس مزمنا حتى الآن، وليس مدفوعا بدوامات الأسعار والأجور وجدولة الأسعار الارتجاعية.
يبدو أن الضغوط التضخمية تنشأ إلى حد كبير عن مجموعة انتقالية من العوامل، مثل إعادة تخصيص الإنفاق المرتبطة بالجائحة من الخدمات إلى السلع، ومن سلسلة التوريد وغيرها من الارتباكات إلى الإنتاج. وفي حين عملت السياسات النقدية والمالية التوسعية على تعزيز الدخول، فإن هذه السياسات أيضا مؤقتة. كان البديل ليتمثل في انهيار درامي كبير في معدلات تشغيل العمالة ومستويات المعيشة.
في ظل الظروف الحالية، إذن، لا ينبغي لصناع السياسات في الدول المتقدمة أن يبالغوا في ردة فعلهم إزاء الارتفاع الحاد في معدلات التضخم. كما زعم المؤرخ آدم توز، فإن التضخم العابر يتطلب استجابة مقيدة، سواء من خلال التنظيم أو السياسة النقدية.
إن الحجة الأفضل ضد ضوابط الأسعار ليست أنها غير متوافقة مع العلم، بل تتلخص في حقيقة مفادها أن لا شيئا جوهريا يجب أن يؤخذ في الحسبان الآن. وينطبق القدر ذاته من الحذر على السياسة التقليدية أيضا: ينبغي للبنوك المركزية أن تتحلى بالصبر قبل رفع أسعار الفائدة.
ماذا عن إصرار أردوغان المستمر على أن التضخم المرتفع هو نتيجة وليس السبب وراء ارتفاع أسعار الفائدة؟ كانت صحة حجته موضع شك، نظرا لوفرة اختلالات توازن الاقتصاد الكلي في تركيا وتراكمها لبعض الوقت.
حتى عندما يكون من المتعذر تسوية حجة ما مسبقا، تسمح لنا الحقائق في النهاية بالتمييز بين النظريات المنطقية وغير المنطقية في مكان بعينه. في حالة تركيا، تتحدث الأدلة التي تراكمت منذ شرع صناع السياسات في تنفيذ تجربة أردوغان بوضوح شديد.
خصوصا رغم خفض سعر فائدة البنك المركزي الرسمي - سعر الفائدة الذي تسيطر عليه السلطات النقدية بشكل مباشر - استمرت أسعار الفائدة في السوق في الارتفاع. لقد طالب المودعون والمدخرون بأسعار فائدة أعلى، ما أدى إلى ارتفاع سعر الائتمان للمقترضين.
هذا من شأنه أن يقوض الحجة القائلة، إن أسعار الفائدة الرسمية المنخفضة من الممكن أن تقلل فعليا من تكاليف الإنتاج التي تتحملها الشركات. وهو يشير إلى أن ارتفاع أسعار الفائدة يعكس مشكلات أكثر جوهرية في الاقتصاد، فضلا عن عدم اليقين بشأن سلوك السياسة الاقتصادية، وارتفاع توقعات التضخم للمستقبل.
في بعض الأحيان، كما في حالة تركيا، تكون الحجة الاقتصادية التقليدية هي الصحيحة حقا. وقد تكون التجارب التي تخرج عن السياسة التقليدية مكلفة. لكن هذا لا يعني أن هناك قواعد عالمية في الاقتصاد، أو أن وجهة النظر السائدة بين الاقتصاديين في التيار الرئيس يجب أن تحدد السياسة. بخلاف ذلك، ما كان بعض أهم إبداعات السياسة في التاريخ، مثل الصفقة الجديدة في الولايات المتحدة أو السياسة الصناعية في شرق آسيا بعد الحرب العالمية الثانية، لتحدث أبدا.
الواقع أن إطار السياسة النقدية الأغلب اليوم، أو استهداف التضخم هو في حد ذاته نتاج لظروف سياسية واقتصادية معينة كانت سائدة في نيوزيلندا خلال فترة ثمانينيات القرن الـ 20. ولم يكن متوافقا مع نظرية السياسة النقدية في ذلك الوقت.
ينبغي لأهل الاقتصاد أن يتحلوا بالتواضع عندما يوصون باستراتيجيات مختلفة لمكافحة التضخم أو يرفضوها. وبينما يتعين على صناع السياسات أن ينتبهوا إلى الأدلة والحجج الاقتصادية، فينبغي لهم أن يرتابوا عندما يبدي الاقتصاديون الذين ينصحونهم قدرا مفرطا من الثقة.
خاص بـ "الاقتصادية"
بروجيكت سنديكيت، 2022.
إنشرها