Author

من المتعلم في عصر المعرفة؟ «2 من 2»

|

كان سؤالا يستحق الطرح، ذلك الذي أوردناه في المقال السابق. يقول السؤال: من المتعلم في بيئة عصر المعرفة والمعطيات المعرفية والاقتصاد المبني على المعرفة؟. كانت هناك في ذلك المقال إجابة، بل بداية إجابة عن هذا السؤال، استندت إلى مناقشة صفات المتعلم تبعا لستة أسس من أصل 16 أساسا، استخلصها خبير التعليم المعروف جوزف رينزوللي Joseph S. Renzulli. وشملت هذه الأسس الستة اكتساب المتعلم صفات تؤهله للقيام بوضع خطط وخطط بديلة للمستقبل، ومراقبة المعلومات المفيدة له ومتابعة تجددها، وإدراك محتوى المعلومات التي يتعامل معها والقيام بتنظيمها، والتعبير ومناقشة الأفكار والفرضيات، وطرح الأسئلة الموضوعية، وتوظيف المعرفة. وأمامنا في هذا المقال مناقشة صفات المتعلم طبقا للأسس العشرة الباقية المكملة للأسس الستة الأولى، من أجل استكمال الصورة المنشودة للمتعلم، والمستندة إلى خبرات سابقة، في عصر المعرفة الذي نعيشه.
تقضي الصفة السابعة بعد الصفات الست المطروحة في المقال السابق باكتساب المتعلم القدرة على الوصول إلى المعلومات التي يحتاج إليها بكفاءة من جهة، ثم القدرة على استخلاص الأجزاء المهمة منها من جهة أخرى. وتتطلب هذه الصفة مهارة في البحث عن المعلومات، وكذلك في حسن قراءة مضامينها، بما يخدم احتياجات المتعلم. كما أنها تفيد صاحبها في سرعة الحصول على المعرفة واكتساب الخبرة التي تحتاج إليها المنافسة المعرفية في هذا العصر. وتأتي الصفة الثامنة للمتعلم مكملة لسابقتها، حيث تقضي بألا يكتفي المتعلم بالنظر إلى ما يحصل عليه من معلومات، بل يمد تفكيره إلى خارج الإطار المطروح، باحثا عن أفكار جديدة مفيدة. وبالطبع يتطلب ذلك منه ليس فكرا استيعابيا فقط، بل فكرا نقديا قادرا على التحليل والإبداع والابتكار.
تطرح الصفة التاسعة قدرة مهمة يجب أن يكتسبها المتعلم، وهي تمكنه من كشف التأثيرات والمبالغات التي قد تحتويها المعلومات التي يحصل عليها، إضافة إلى قدرته على اتخاذه الموقف المناسب منها. وتفيد هذه الصفة في حماية المتعلم من المعلومات المشبوهة وغير الموثوقة، وتجنيبه إغراءات التصيد التي تجري على الإنترنت التي تستهدف استجرار معلومات سرية من الناس بغرض القيام بأعمال خبيثة، وهو ما يعرف بالاحتيال الاجتماعي عبر الفضاء السيبراني.
تهتم الصفة العاشرة المطلوبة في المتعلم بقدرته على إدارة الزمن وجدولة الأعمال واستخدام الوسائل اللازمة لذلك. وتساعد هذه الصفة المتعلم على أداء أعماله وتنظيم حياته بكفاءة وفاعلية، وتعزز قدرته على المنافسة في إنجاز أعماله المهنية، وتوفر له ما يحتاج إليه من وقت للراحة والاستمتاع بالحياة. ولا شك أن الإنسان في البيئة المنظمة المنشودة يكون أكثر قدرة على التميز في المنافسة والعطاء.
وتنتقل الصفة الـ 11 من قدرة المعلم على التنظيم إلى قدرته على التفاعل مع مشكلات الحياة على أرض الواقع، حيث تقضي بحل هذه المشكلات عبر استخدام المعرفة المتاحة، سواء ارتبطت هذه المشكلات بالمستوى الشخصي أو الاجتماعي، أو برزت على المستوى المهني. وتستفيد هذه الصفة من الصفات السابقة الخاصة باستيعاب المعرفة ومتابعتها وتوليد مزيد مفيد منها في حل المشكلات المطروحة، فضلا عن استفادتها من إدارة الزمن وجدولة الأعمال. وتأتي الصفة الـ 12 لتطرح قدرة المتعلم على إيجاد حلول للمشكلات استنادا إلى أسلوب المقارنة وتحديد التشابه والاختلاف مع مشكلات أخرى باتت معروفة على نطاق واسع، لأن ذلك يوفر مرجعية سابقة يمكن الاستفادة منها في توثيق الحلول المقترحة.
تدعو الصفة الـ 13 إلى اكتساب المتعلم القدرة على العمل بفاعلية مع الآخرين، فالأعمال المتاحة لتقديم المعطيات المختلفة، ليست فردية الطابع، بل تحتاج إلى تعدد الخبرات، بل تعدد الاختصاصات في كثير من الحالات. وعلى ذلك فإن قدرة المتعلم على العمل في إطار فريق عمل باتت ضرورة يمكن للتعليم الإسهام في تنمية بذورها لدى الناشئة. وتضيف الصفة الـ 14 قدرة أخرى مكملة تهتم بتمكن المتعلم من التواصل مع الآخرين بفاعلية دون النظر إلى انتماءاتهم وثقافاتهم. وتستجيب هذه الصفة لمتطلبات العولمة، حيث بات العالم منفتحا معرفيا واقتصاديا، ويحتاج إلى قبول التعددية، دون المساس بالانتماءات الثقافية الخاصة.
تهتم الصفة الـ 15 باكتساب المتعلم القدرة على الاستمتاع بالتعلم لأن ذلك يعزز تحصيله المعرفة وقدرته على حل المشكلات. ولعل ذلك يأتي من التعود على الشغف بالمعرفة والرغبة في الاستزادة منها، من أجل تطبيقها والاستفادة منها، خصوصا المعرفة التي تتوافق مع ميول الإنسان. وقد يبدأ الشغف بمثل هذه المعرفة من المراحل الأولى للدراسة عند اكتشاف ميول الأطفال وتشجيعهم على جعل المعرفة المتوافقة مع ميولهم هواية ممتعة لهم ينشغلون بها، ليس فقط في المدارس، بل في حياتهم الخاصة أيضا. وتبرز الصفة الـ 16 لتؤكد القدرة المتوجة لكل ما سبق من قدرات، ألا وهي القدرة على الإبداع وتقديم أفكار غير مسبوقة قابلة للتطبيق من أجل حل مشكلات تبرز بسبب الحاجة، أو من أجل تقديم معطيات تحفز احتياجات لم تكن ظاهرة من قبل. وهذا ديدن التسابق العلمي والتقني الذي نشهده اليوم في هذا العصر.
وهكذا نجد أن صفات المتعلم يجب أن تشمل القدرات الواردة في المقال السابق، أي: وضع خطط وخطط بديلة للمستقبل، ومراقبة المعلومات المفيدة له ومتابعة تجددها، وإدراك محتوى المعلومات التي يتعامل معها والقيام بتنظيمها، والتعبير ومناقشة الأفكار والفرضيات، وطرح الأسئلة الموضوعية، وتوظيف المعرفة. وكذلك القدرات المطروحة في هذا المقال، أي: الوصول إلى المعلومات بكفاءة واستخلاص المفيد منها، والتفكير خارج إطار المطروح، وكشف المبالغات في المعلومات، وإدارة الزمن وجدولة الأعمال، وحل المشكلات عبر استخدام المعرفة، واستخدام أساليب المقارنة والتوثيق في حل المشكلات، والعمل بفاعلية مع الآخرين، والتواصل معهم دون تمييز، والاستمتاع بالتعلم، إضافة إلى الإبداع وتقديم أفكار جديدة. ولا شك أن جميع هذه القدرات يجب أن تنطلق من مصدر مشترك يحيط بها جميعا، ألا وهو مكارم الأخلاق.

إنشرها