default Author

اللغة الصامتة

|
بسببها لست محتاجا إلى أن تنطق بحرف لتعبر عن مشاعرك يكفي أن تضع أحد رموزها "إيموجي" لتوصل شعورك وإحساسك لمحدثك دون أن تكلف نفسك عناء انتقاء العبارات، ومواجهة المصحح اللغوي أو تكبد عناء الترجمة إذا كنت تريد التحدث بغير لغتك. لقد أصبحت تلك الرسومات البسيطة لغة بحد ذاتها وكأنها تعيدنا إلى العصور القديمة أيام كانت الحروف رسومات مثل الهيروغليفية!
والإيموجي مصطلح ياباني الأصل مكون من مقطعين "إي" وتعني حرف أو رمز، و"موجي" وتعني صورة وتم دمجها لتصبح الصور الرمزية وتتنوع من وردة تعبر عن الشكر والامتنان وقلب يعبر عن حبك ووجه حزين يعبر عن مشاعرك، وشعر منكوش يعبر عن انشغالك إلى أسنان تصطك للتعبير عن مرضك، وعينين مفتوحتين للتعبير عن الدهشة! فمن أين أتت تلك اللغة العالمية التي لا يكاد يخلو تطبيق منها؟!
أخرجتها للنور شركة دوكومو في 1995 على أجهزة النداء الآلي "البيجر" الذي ظهر للوجود قبل الهواتف النقالة ولقلة عدد الحروف "250 حرفا فقط" التي يمكن إرسالها عن طريقه، وكذلك فهم بعض الجمل بطريقة خاطئة، رأت الشركة اختصار الكلام بصور تعبيرية مثل القلب. ابتكرها الموظف في الشركة آنذاك شيجيتاكا كوريتا، ولاقت رواجا واسعا محليا ومن ثم عالميا. تقدمت شركة دوكومو بطلب للحصول على حقوق البيع والنشر ورفض طلبها فهي مجرد صور يمكن لأي شخص رسمها، ولكن رئيس الشركة لم يستسلم وعرض على ستيف جوبز في 2008 استخدام رموزه في نظام تشغيل أجهزة أبل، ومن هنا انطلقت للعالمية ولم تعد خاصة باليابانيين وتم إدراجها في 2010 في نظم الحروف الدولية الموحدة، وفي 2013 تم تسجيل الكلمة في قاموس أكسفورد. تعدى استخدامها اليوم تطبيقات الهواتف الذكية إلى التجميل والحياة العامة، حيث تستخدم في المرافق الحكومية والخاصة لتقييم مدى رضا العملاء عن خدماتهم من خلال لوح يحمل ثلاثة وجوه لتختار وتعبر عن رضاك من عدمه وتسعى شركة سوني إلى إنتاج فيلم رسوم متحركة أبطاله بالكامل إيموجي!
ولكن علماء النفس واللغة يحذرون بشدة من أن الإدمان على التواصل عن طريق الرموز التعبيرية ربما يؤدى في المستقبل إلى قصور بالغ في التواصل الفاعل مع الآخرين، وانعدام القدرة على المواجهة والتحدث بصراحة وتكون بوابة للهروب من الحوارات وإخفاء الضعف أمام الآخر، وقد تدفعهم إلى الانطواء والعزلة! إنها لغة بلا صوت ولا حروف تحملنا لمرحلة جديدة من التواصل الصامت والجاف حين تعجز الحروف عن التعبير عنا!
إنشرها