أمريكا تخسر أفغانستان على الجبهة الاقتصادية "2 من 2"
ما كان يجب لهذا الجهد والإنفاق الذي صرفته وبذلته أمريكا في أفغانستان أن يكلف كثيرا. وفقا للبنك الدولي، يبلغ عامل تعديل القوة الشرائية في أفغانستان نحو 0.24، وهذا بين أدنى سبعة مستويات في العالم، أي: إن سلة استهلاك قياسية تبلغ تكلفتها دولارا واحدا في الولايات المتحدة يمكن شراؤها بأقل من 25 سنتا في أفغانستان. لكن الولايات المتحدة قررت العدول عن الاستفادة من هذه المدخرات بملاحقة استراتيجية مساعدات التنمية التي استعانت بمقاولين يتخذون من الولايات المتحدة مقرا لهم (مجموعة شركات Beltway bandits) الذين فرضوا تكاليف على الولايات المتحدة إضافة إلى هوامش الملاءمة، والنفقات العامة، وأجور المشقة. كما يجب أن نضيف إلى هذا تكلفة الحفاظ على أمنهم داخل المنطقة الخضراء في كابول.
قد يزعم بعض المراقبين أن هذه النفقات الأعلى كانت حتمية، لأن المسؤولين الأفغان لم يكن من الممكن ائتمانهم على التحويلات النقدية المباشرة أو أنهم كانوا يفتقرون إلى المهارات اللازمة لأداء المهام المطلوبة. لكن هذا يعني ضمنا أن المقايضة لم تكن بين الفساد والنزاهة فحسب، بل كانت بين الفساد ومسألة أخرى أعظم تكلفة.
لنتأمل الآن خطة بديلة. لنفترض أن الولايات المتحدة جمعت بين قرارها بخفض الإنفاق العسكري في أفغانستان بعد عام 2012 وزيادة المساعدات بغرض مضاعفة نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي هناك بحلول عام 2020. كان هذا ليفضي إلى تجنب التقشف، والركود، وتدهور الواردات الذي أعقب ذلك في حقيقة الأمر. لنفترض فضلا عن ذلك أن أمريكا سلمت القسم الأعظم من هذه المساعدات الإضافية في هيئة دعم للميزانية مشروط على النحو اللائق، ووجهت جزءا كبيرا منها إلى الحكومات الإقليمية والمحلية بدلا من إنفاقها من خلال مقاولين غربيين، وفي كابول في الأغلب الأعم.
تخيل أيضا أن القوات المسلحة الأفغانية والشرطة استخدمت عددا أقل من المعدات المستوردة واستفادت من الدعم التشغيلي الأمريكي (الذي كان مكلفا وغير مستدام) ووظفت عددا أكبر من الأشخاص. في النهاية، كانت قوات الجيش والشرطة القوية التي بلغ قوامها 300 ألف جندي في البلاد تشكل نحو 0.8 في المائة فقط من السكان، أو أقل من نصف النسبة في دول مثل الأردن أو إسرائيل. أضف إلى هذا أيضا استراتيجية تطوير الموارد المعدنية في أفغانستان، ربما من خلال مشاريع مشتركة مع شركة مملوكة للدولة، بغرض إعطاء البلاد مصدرا مستداما للنقد الأجنبي وعائدات الضرائب. كانت الحكومات الإقليمية لتحظى بالفرصة لتطوير قدراتها، وترتيب أولوياتها، واجتذاب الدعم الشعبي بعيدا عن طالبان.
كان من المحتمل أن تتطلب مثل هذه الاستراتيجية مساعدات إضافية بقيمة خمسة مليارات إلى سبعة مليارات دولار سنويا، وهذا جزء ضئيل من الإنفاق العسكري الأمريكي في أفغانستان حتى بعد تخفيضه بدرجة كبيرة ليصل إلى 39.7 مليار دولار عام 2020.
رغم سهولة انتقاد صناع السياسات الغربيين بسبب الاختيارات التي اتخذوها في أفغانستان، فإن قدرا كبيرا من اللوم يقع على عاتق النهج الإجمالي. كان ينبغي للاستراتيجية التي قادتها الولايات المتحدة في أفغانستان أن تولي مزيدا من الاهتمام لتعزيز النجاح الاقتصادي وقدرة الدولة، وكان ينبغي لمهنة الاقتصاد أن تكون قادرة على تقديم إرشادات أفضل حول كيفية تحقيق هذه الغايات. لم تكن المهمة سهلة، لكن نظرا لاستعداد القوى الغربية لإنفاق مبالغ طائلة من الأموال في أفغانستان، فما كان ينبغي لهذه المهمة أن تبلغ ذلك القدر من الصعوبة.
خاص بـ "الاقتصادية"
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2021.