تسليع الأمومة
تتعرض صورة الأم أمام نفسها وأمام بقية أفراد أسرتها خصوصا الأطفال إلى ما يمكنني تسميته "قولبة"، أو تنميط ذهني عبر ماكينات الإعلان الضخمة لتهيئتها لمزيد من الاستهلاك، استهلاك سلع بعينها، ولجعل استهلاكها هذه السلع جزءا من كمالها وتمام مهمتها.
يركز كثير من الإعلانات على جعل الأم حريصة إذا أطعمت أطفالها ذلك المنتج أو زودتهم به قبل ذهابهم إلى المدرسة، واعتبارها مميزة وربما حتى حنونة إذا "دهنت" الخبز بمنتجات يعلم معظمنا ويجزم الأطباء أنها غير صحية، والقائمة طويلة بين منظف معين، أو أثاث محدد، وصولا إلى المنتجات والخدمات التقنية.
ما يدعو إلى التفكير هو كيف يتصور أو "يقولب" الأطفال أمهاتهم الحريصات فعلا واللاتي لا يتبعن هذا التنميط الذي يحاول الإعلان أن يكرسه، هل سيخطر في ذهن الطفل أن أمه غير حريصة، لأنها لا تبدو مثل الأم التي يشاهدها في الإعلان؟
الرأسمالية ليست كلها سيئة، فنحن أفرادا ومنظمات ودولا نمارسها بشكل أو بآخر، جزئيا أو كليا، لكن بعض ممارسات الشركات التي تندرج تحت ممارسات السوق ومتطلبات المنافسة تشوه كثيرا من مناحي الحياة، وكثيرا من العلاقات الإنسانية.
النظام الرأسمالي ليس معنيا بالمال وحسب، إنه عبارة عن علاقات متعددة ومعقدة منبثقة من علاقات الإنتاج الاقتصادية، وممارسات الاستهلاك ومحاولات - ناجحة في الأغلب - لتحديد شكل علاقة الإنسان بنفسه والآخرين، وبيئته الصغرى وعلاقته ببيئته الكبرى وكل ما يحيط به من أشخاص وأشياء وظواهر.
الفكرة ليست حكرا على هذه العلاقة فقط، ولكن لأهميتها وحساسيتها في بناء الأسرة تعد الأخطر، إضافة إلى أن التعمق فيها كظاهرة اتصالية ربما يحيل إلى "تنميط" المرأة إجمالا حيث لا يظهر الرجل أو الأب في صورة العناية المدعاة بالأطفال عند استخدام منتج معين، رغم أنه قد يكون شريكا في القرار أو في الشراء.
مع الوقت تصبح العلاقات الرابطة بين إنسان وآخر، وفي حالتنا هذه بين الأم والطفل، هي نفسها العلاقات الرابطة بين شيء وآخر، وليس بين بشر لهم كينونات وهويات، وربما نصل إلى مرحلة تصبح فيها قيم السوق هي من يتحكم في هذه العلاقات أكثر من القيم الإنسانية المتوارثة منذ بدء الخليقة.
عزيزتي الأم: لا تجعلي من نفسك "شيئا" يمكن استخدامه في السوق، انظري إلى نفسك بوصفك فاعلا مفكرا حاملا قدرات خاصة يمكنه تحديد شكله أمام أطفاله كما يمكنه تلبية رغباتهم بالطريقة التي يراها أفضل لصحتهم الجسدية والنفسية.