التجربة السعودية ومشروع العدادات الذكية
منذ انطلاقة تجربة مشروع الشبكات الذكية منذ تسعينيات القرن الماضي، تسابق الكثير من الشركات العالمية نحو استبدال العدادات الميكانيكية بأخرى ذكية، ورسمت هذه الشركات خطة للمضي نحو شبكات كهربائية ذكية.
وليس المقصود هنا القراءة الآنية ولكن حجم البيانات بما يفيد صناعة الكهرباء مستقبلا، إضافة إلى إشراك العميل في منظومة الشبكات الذكية.
وتطورت قراءة العدادات من القراءة التلقائية للبيانات مرة واحدة شهريا إلى قياس البيانات بشكل متكرر كل ساعتين أو ساعة أو نصف ساعة.
وتحدثنا في مقالات سابقة عن الفوائد لمقدم الخدمة والعميل والمجتمع من جراء تفعيل العدادات الذكية وسردنا عددا من التجارب العالمية والدروس المستفادة منها.
دعونا ننظر إلى التجربة السعودية بتمعن ونتعرف كيف استطاعت الوصول إلى ما هو مطلوب تحقيقه خلال هذه الفترة.
لم تكن الشركة السعودية للكهرباء في معزل من توجهات صناعة الكهرباء العالمية، وكان لوزارة الطاقة وهيئة تنظيم المياه والكهرباء الدور في دفع الشركة إلى المشروع وتذليل الصعوبات والعقبات.
ففي شباط (فبراير) 2020، أطلقت الشركة برنامجا عاما لتركيب العدادات الذكية واستبدال عشرة ملايين عداد تقليدي (أو ميكانيكي) على مستوى المملكة.
وطرحت وقدمت الدراسات تلو الدراسات لاستعراض الجوانب الفنية والاقتصادية والقانونية والتنظيمية ومن ثم إنشاء لجنة موحدة تضم الوزارات والهيئات ذات العلاقة لدفع المشروع نحو الأمام ولعل هذا أحد الدروس المستفادة من التجربة السعودية.
إن المشاريع الوطنية تستوجب العمل الجماعي لأهداف محددة واجتماعات مخصصة والنجاح يسجل باسم الجميع. ولكن رفعت جائحة كورونا في آذار (مارس) 2020 راية التحدي ولم يكن حدثا متوقعا، وعليه جلبت أزمة حقيقية بعد شهر واحد فقط من انطلاق المشروع استوجب معها الحظر الكلي في المملكة وهذه عقبة كبرى أمام التنفيذ.
وأوقفت الجائحة عدة مشاريع في أوروبا والولايات المتحدة ولكن هذه الجائحة وضعت قادة الشركة في تحد جديد وسباق مع الزمن وثبات على الهدف.
إن الدرس المستفاد هنا أنه لا يوجد نجاح مجاني ولا بد من بذل الجهود ومواجهة الصعاب والتحديات، ولا نعتقد أنه يوجد أعظم من جائحة كورونا التي غيرت إدارة التنفيذ والتفكير المجتمعي.
وقد عمل على تركيب 127 ألف عداد بمعدل يومي في مساحة المملكة المترامية الأطراف ما بين مدينة وقرية وهجرة، ولم يتبق إلا أقل من نصف في المائة فقط.
وللإحاطة فإن مشروع تركيب العدادات الذكية قد نفذ دون أي تكاليف على المشتركين وهذا ما سهل عمله. بانتهاء المشروع في 14 شهرا فقط. كمدة تعد وجيزة وفق ما خطط له لتحقيق مستهدفات المشروع.
ومن هنا ما رأيكم أن نستعرض بعض التجارب العالمية؟ في ولاية تكساس الأمريكية، ابتدأ مشروع تركيب العدادات الذكية في 2008 وانتهى في 2012 ولكن حمل المشترك عبء تكلفة العداد الذكي وأربعة أعوام تركيب.
وفي المملكة المتحدة، تحدثنا سابقا عن قصور التجربة حيث ابتدأ التركيب في 2015 وسينتهي في 2025 بنسبة تركيب 32 في المائة فقط بعد تعطله لمدة عامين، وستتحمل شركات التجزئة البريطانية التكلفة.
وفي فرنسا، بدأ المشروع في 2015 ومن المفترض أن ينتهي في 2020 من خلال قروض أوروبية وتعرفة استخدام شبكات الكهرباء العامة، ولكن نسبة التركيب 66 في المائة آنذاك ولا نعلم كيف واجه مقدم الخدمة الفرنسي هذه المعضلة.
إن عدم تحميل المشترك عبء التكلفة هو الخيار الأفضل من أجل إشراكه في عموم المشروع وعدم إرهاقه ماليا.
ختاما، تعد التجربة السعودية في تركيب العدادات الذكية ناجحة بشكل عام، من ناحية سرعة التركيب ومتابعة التنفيذ في ظل مواجهة تداعيات وآثار جائحة كورونا وإدارة المخاطر التشغيلية والعمل الجماعي.
ولكن يجب ألا يتوقف نجاح القصة هنا، لأنه توجد قصص نجاح أخرى ننتظر إعلانها والاحتفال بها.