Author

كيف ندفع بالمحتوى المحلي إلى الأمام؟ «2 من 2»

|

اقتصادي في السياسات الاقتصادية وإدارة استراتيجيات الأعمال والشراكات الاستراتيجية.

يعتمد المحتوى المحلي على سلاسل متعددة من الشركات الموجودة محليا في كل قطاع بشكل رأسي وأفقي أو ما يعرف بـ Tier N التي تلعب دورا حيويا في الشراء المستدام للشركات والحكومات على حد سواء، وكلما كانت الأحزمة الطبقية الثلاثة لكل قطاع - إن صح التعبير - أكثر صلابة كان المحتوى المحلي أكثر جودة واستدامة من حيث عدد الشركات والتنافسية والحجم، كما أن اتساع الطبقات يقلل تكاليف الاستثمار الرأسمالي للقادمين الجدد، ولا سيما الاستثمار الأجنبي المباشر.
تمتين طبقات المحتوى المحلي مسألة في غاية التعقيد، وليست كما تبدو في المقال من الناحية النظرية، لأنها ترتبط بكفاءة الهيئات الحكومية المنظمة لقطاعات الأعمال المتعددة وجاذبية بيئة الاستثمار، وكذلك شكل النموذج الاقتصادي للدولة، ومدى تنوع القواعد الإنتاجية للقطاع الأهلي، علاوة على ذلك لكل دولة ميزات نسبية في سلاسل القيمة العالمية، وعند محاولة تجاهل ذلك سنرى الصناعات والخدمات في المحتوى المحلي غير مستقرة من حيث النمو والعائد على رأس المال، وبالتالي سنفقد النمو الديناميكي للمحتوى المحلي.
من الناحية العملية هناك قطاعات تتطلب كثافة رأسمال وصناعات أخرى تحتاج إلى عدد كبير من الموردين فمثلا السيارات تحتاج من 15 إلى 20 ألف قطعة من موردين ومصنعين مختلفين، لذا خوض تجربة بناء محتوى محلي صلب يتطلب أولا: فهم سلسلة القيمة المحلية والإقليمية والعالمية لاقتصادنا بشكل عميق وموضوعي وفق بيانات عالية الجودة، ثانيا: دراسة السياسات الاقتصادية والتداخلات بين القطاعات، ثالثا: التكامل بين الهيئات الحكومية المشرفة على قطاعات الأعمال بهدف كشف فرص تحفيزية واستثمارية جديدة ومراقبة معدلات النمو الاستثماري لكل قطاع بعدسة المحتوى المحلي ومرة أخرى بعدسة احتياجات كل قطاع بشكل منفرد، أي: المزج بين النمو العشوائي والمنظم، رابعا: إزالة التعارض بين سياسات التحفيز الاقتصادي وبرامج الاستدامة المالية الحكومية واستظهار سياسات موجهة وأخرى عامة تدعم التنوع الاقتصادي، مثل: الاعفاء الضريبي 100 في المائة للمحتوى المحلي، وتقديم التمويل للمستثمرين في المحتوى المحلي، بحسب كل طبقة، إضافة إلى دعم التكاليف بطريقة موجهة للصناعات والخدمات ذات الأولوية في المحتوى المحلي.
أخيرا: نموذج الدول الآسيوية في صناعة السيارات كانت تجربة ناجحة، حيث تكاملت تلك الدول وفق سلاسل القيمة الإقليمية والعالمية، ولاسيما أن العميل المستهدف موجود في أمريكا الشمالية والجنوبية وفي أطراف القارة الآسيوية، أي إن السيارة تصنع في عدد من الدول وتباع في دول أخرى. كما أن تجربة الدول الأوروبية، ولا سيما فرنسا وألمانيا، مميزة، فالتشابك الاقتصادي بين الدولتين عميق لا يمكن إنتاج سيارة ألمانية دون منتجات الشركات الفرنسية. وفي نهاية المطاف وعند النزول إلى أرض الواقع، فإن تنمية المحتوى المحلي على أساس الربح والاستدامة، وتنويع القواعد الإنتاجية، وزيادة الصادرات، وتطوير ميزان التجارة الخارجية، رحلة طويلة من العمل الجاد للحكومات والشعوب.
إنشرها