default Author

الرحلة الأخيرة

|
نخاف من الموت وسيرته، ونتجنب الاستعداد له، وهو الحقيقة الحتمية التي لا مفر منها. يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه، "اعمل لآخرتك كأنك تموت غدا، واعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا"، ولا يختص ذلك بشعب دون الآخر، أو دين عن غيره، ولا تنفي جميع الديانات الخوف من الموت، لكنها تحث على مواجهته والاستعداد له.
وتتنوع العادات والطقوس الغريبة المتعلقة بالحياة حول العالم، بداية من الولادة حتى الوفاة. ومن أكثر الشعوب التي اهتمت بالموت وحرصت على كل تفاصيله قبل وبعد وأثناء الموت "الفراعنة"، فالموت لديهم حياة حقيقة داخل القبور التي حرصوا على تزيينها وتزويد الميت بانتظام بالطعام والشراب، حيث اعتقدوا أنه لا يستطيع العيش دونها، وكان من واجب ورثته خصوصا الابن الأكبر تجديد المؤن.
وفي غانا، تتميز جنائزهم بأشكال التوابيت التي تعمل حسب وظيفة الشخص، ولكونها من أكبر منتجي الكاكاو في العالم، يدفع المزارع الغاني ما يعد بالنسبة إليه ثروة تقدر بألف دولار، ليتمكن من دفن ميتهم في كبسولة الكاكاو، التي تنحت على أشكال من الفلفل إلى السيارات والطائرات وتسمى "صناديق الأمثال"، ونظرا إلى التكلفة الباهظة لتجهيز الموتى هناك، يتشارك أفراد المجتمع في تكاليف صنع التابوت والحفل وشراء الطعام والشراب والملابس للمتوفى، وتستمر المراسم من الخميس إلى الإثنين.
كل هذه الطقوس أو أغلبها، يقوم بها ذوو المتوفى ويتحملون عبء الوفاة وعلى رأي المصريين "موت وخراب ديار"، لذا كان حتما على الإنسان الاستعداد ليومه ولحظة توديعه الحياة وأن يخرج منها بأقل الأعباء، ولعل من أغرب وأجمل عادات الاستعداد للموت، هو ما توارثه السويديون عن أسلافهم الاسكندنافيين، حيث يقوم كبار السن هناك بتوضيب منازلهم ومتعلقاتهم الشخصية لشعورهم بقرب موعد رحيلهم، وتسمى هذه العادة بـ"داستانينج" أو فن الفرز للاستعداد لرحلة اللاعودة، وهذا قمة الشجاعة في مواجهة نهاية البشر الحتمية.
وتقوم لينا ساندرجرين البالغة من العمر 84 عاما بترتيب منزلها أسبوعيا منذ عشرة أعوام من الأواني والكتب والملابس، مرورا بأدق مقتنياتها الشخصية، وتسعى دوما إلى التخلص مما تظنه سيورث ذكرى حزينة أو سيئة، وهذا العمل يخفف العبء في المقام الأول عن كاهل أقرباء المتوفى خصوصا إذا صحبته وصية، ومن الجميل أن هذه العادة أخذت في الانتشار عالميا، إذ لا بد أن نعي أن الموت هو جزء من الحياة.
إنشرها