التفكير والتخطيط الاستراتيجي

الأفراد، والمجتمعات قد يكون لهم أهداف استراتيجية يسعون لتحقيقها، كل حسب طموحه، والإمكانات المتوافرة لديهم التي تسهم في تحقيق الهدف المنشود، كما تجدر الإشارة إلى أن المجال المراد تحقيق الهدف فيه يسهم في تسهيل، أو تعقيد الأمر أمام من يسعى لتحقيق الهدف، إلا أن الهدف الاستراتيجي ليس من السهولة بمكان تحقيقه كما يشتهي الفرد، والمجتمع، في كل مجال من مجالات الحياة السياسي، والاقتصادي، والتعليمي، والثقافي، والعسكري توجد أهداف استراتيجية.
خبراء التخطيط الاستراتيجي في المجال يرسمون الخطة التي يعتقدون أنها مناسبة لتحقيق الهدف، فسحق العدو عسكريا يحتاج إلى تكتيكات فيها عمليات استنزاف، وخداع، وتمويه، ومفاجآت، وتضليل إعلامي، وسياسي تجعل العدو يحار، ويرتبك لضبابية الموقف، والتحركات الخداعية، كانسحاب، وتغيير الوجهة التي يتخذها الجيش. كما تجدر الإشارة إلى أن تحقيق بعض الأهداف يحتاج إلى وقت طويل، فقد يأخذ أجيالا لبلوغ الهدف، فالتحول من الإنتاج الزراعي إلى الصناعي يتطلب إقناع المستثمرين، وبناء المصانع، وإعداد الكوادر البشرية المختصة، كما يلزم إيجاد الأنظمة والقوانين التي تسهم في تسيير العمل، وتكفل الحقوق، والجودة.
الخطة الاستراتيجية تتطلب أعمالا، وخطوات تكتيكية يمكن تشبيهها بالبناء المتدرج، وكل خطوة تقود للتي تليها، وربما يتطلب الأمر التعديل في التكتيكات، حسب الظروف المستجدة، ومن الأمثلة البارزة فيما يمكن تسميته بالهدم الاستراتيجي الحرب الباردة بين أمريكا، والاتحاد السوفياتي التي استمرت عقودا انتهت في نهاية المطاف بسقوط الاتحاد السوفياتي، كدولة، وتفككه إلى دول مستقلة، ومن أبرز محطات الحرب الباردة: احتلال الاتحاد السوفياتي أفغانستان لتستغل أمريكا الفرصة لحشد القوة ضد المحتل لينتهي الأمر بالإنهاك العسكري والاقتصادي، والترهل، والضعف التام.
كما أن من أبرز المحطات نجاح أمريكا في استقطاب عميل للمخابرات المركزية تمثل دوره في ترشيح أشخاص لمناصب قيادية، ليسوا من ذوي الكفاءة لتسنمها، إما لقلة الخبرة، والنضج، أو لكبر السن، وانعدام القدرة على المهام المنوطة بهم، حتى هرم الجهاز الإداري الأعلى في الدولة لتكون النتيجة السقوط السريع.
من التكتيكات المستخدمة لتحقيق الأهداف الاستراتيجية: توظيف مفهوم العقل الجمعي في التأثير، إذ يمكن تسلل شخص، أو أكثر لجمع من الناس مستهدفا إحداث تغيير لديهم، حيث يقوم المتسلل بإظهار قناعته في فكرة، ليتبع ذلك بسلوك متفق مع الفكرة التي تم تسويقها، وبثها في منهج دراسي، أو من خلال نشاط، أو ضمن برنامج تدريبي، أو من خلال ضخ إعلامي مباشر، أو غير مباشر. الإعلام يسهم في إيجاد العقل الجمعي حيث يسهم في إيجاد ثقافة، وطريقة تفكير جديد تؤدي إلى خلخلة المفاهيم والانقراض التدريجي للقيم على مستوى الفرد، والمجتمع ليصل الأمر إلى اكتساب قيم، ونمط حياة جديد.
الدول المستثمرة في علاقاتها مع الدول الأخرى، أو في برامجها التنموية، ذات الطابع الاجتماعي تقديراتها الزمنية للتغير تعتمد على قراءة، ودراسة متأنية لكل المتغيرات ذات العلاقة بالهدف الاستراتيجي الذي ربما يتم تحقيقه من خلال جرعات بسيطة يتم تقييم آثارها، وردود الفعل الناجمة عنها إيجابية كانت، أو سلبية، ليتم بعد ذلك تقديم الجرعة الثانية، أو تأجيلها، حسب الظروف، والمستجدات. التخطيط الاستراتيجي يمثل علما لا حدود له يلزم تدريسه والتدريب عليه في الجامعات، والمعاهد العليا من قبل أساتذة يتمتعون بالتفكير الاستراتيجي الذي يمكن من النظر لأي موضوع من زوايا متعددة، وربما غير متوقعة.