Author

الأسهم السعودية .. ممكنات ومحركات

|
عندما تسير على طريق طويل من الإصلاحات والعمل المركز والدؤوب، ليكون إصلاحا حقيقيا، ومستداما، فإن بعض المؤشرات على الطريق تجعل الثقة تتضاعف، ووتيرة العمل تتصاعد، على الرغم من تحديات التحولات، والحاجة دائما إلى التقييم والمراجعة. وفي الاقتصاد تبقى السوق المالية أهم وأصدق المؤشرات التي ترسم توقعات المستقبل على شكل نمو في أرقام المؤشر ومستويات التداول، ذلك أن رأس المال جبان - كما يقال، وأن أصحابه يعيدون التفكير مرارا قبل المغامرة بأرصدتهم في أسواق قد لا تمنحهم منظورا مستقبليا لعوائدهم أبعد من مستوى الشاشات التي تسجل فيها الصفقات والأسعار. لكن عندما تكون مساحة الشفافية كبيرة، والمنظور المستقبلي واضحا وواسعا تماما بشكل يمنح الجميع بصيرة إلى ما تؤول إليه الأمور، فإن رأس المال يتدفق بقوة وبثقة، ويرسم نهضة في جميع مؤشراته وأسعاره.
وكان هناك كثير من التحليلات المتضاربة بشأن حالة السوق المالية السعودية خلال فترات ما قبل انطلاقة رؤية المملكة العربية السعودية 2030، فبعد الانهيار الذي شهدته السوق من قيمتها التي تجاوزت 20 ألف نقطة، لم تستطع العودة بشكل متوازن، على الرغم من وصول أسعار النفط في 27 حزيران (يونيو) 2008 إلى 140 دولارا للبرميل، وهبوط البورصة السعودية إلى ما دون 4500 نقطة، فهذا التعاكس بين نمو السوق النفطية وتراجع السوق المالية كان يعطي انطباعات بمشكلة في الثقة من جانب، وعدم القدرة على الوصول إلى تسعير حقيقي يتسم بالاستدامة، من جانب آخر.
لكن الحقيقة كانت كامنة في أن الاقتصاد السعودي كان معتمدا على سلعة واحدة هي النفط، كما كان هناك سابقا نقص في آليات الشفافية بشأن الموازنة العامة وتقديراتها، إلى جانب توقعات بتقلبات السوق النفطية، ولذا كانت السوق المالية تحاول أن تصل إلى تقييمات محايدة، تعكس حالة من التحفظ بعدما كانت قفزات المؤشر، التي تحققت في عام 2006 وما قبله، قد استنفدت جميع محفزاتها.
اليوم تبدو الصورة مغايرة تماما، فالاقتصاد السعودي في الوقت الراهن أكثر تحررا من تقلبات السوق النفطية، وهذا ما أثبتته الأحداث الاقتصادية التي تبعت جائحة كورونا، فعلى الرغم من انهيار أسعار النفط إلى مستويات تاريخية، احتفظ الاقتصاد الوطني بتوازنه، وتحركت آليات الإيرادات غير النفطية لتمنح صناع القرار مرونة مكنتهم من تنفيذ سياسات رشيدة للدعم والمحافظة على الوظائف.
ومع عودة أسعار النفط إلى 80 دولارا، وفي طريقها إلى تسجيل مستويات أعلى، يدرك أصحاب رأس المال أن هذه الارتفاعات ستمنح الاقتصاد زخما إضافيا، خاصة في ظل وجود إعلان تمهيدي عن الموازنة العامة، الذي أكدت من خلاله وزارة المالية عبر خططها لعام مستقبلي كامل، التوجهات، وحجم المصروفات، والإيرادات المتوقعة، لتشكل أكبر تقديرات في تاريخ المالية العامة، ما يعني أن حالة الضبابية التي كانت تصاحب إعلانات المالية العامة فيما قبل قد زالت.
الاقتصاد السعودي اليوم يرتكز على ممكنات تتسم بالاستدامة، وهذا الحديث له ما يؤكده ويعززه من وكالات الأنباء، ومراكز البحث العالمية، فالارتفاع المستمر في الأسهم السعودية على مدى الأشهر الـ18 الماضية جعل محللي "مورجان ستانلي" يقرون أنهم قد أخطأوا بشأن خفض تصنيفهم، بعد أن كان هناك خفض في وزن المؤشر السعودي في المحافظ الاستثمارية في أيار (مايو) 2020، وهذا الأمر ليس سهلا على مؤسسة بحجم مورجان ستانلي. ولمقابلة التزام هذه المؤسسة الاستشارية العالمية أمام عملائها، فقد تراجع محللوها وأوصوا عملاءهم بزيادة وزن السوق السعودية في محافظهم.
الأمر المهم هنا ليس في التوصية بحد ذاتها، بل الأسباب التي أدت إلى مثل هذا التصحيح، فقد كتب محللو المؤسسة المالية العريقة في مذكرة أخيرا جاء فيها، "لقد كانت السعودية أفضل دولة رئيسة أداء ضمن مؤشرات MSCI هذا العام، وتعد واحدة من الأفضل أداء العام الماضي، وأن أداء الأسهم السعودية يتفوق على أداء أسهم الدول الناشئة والمتقدمة".
هذه حقيقة اقتصادية موثقة بأرقام ومؤشرات السوق، لكن الأهم في التوصية هي عبارات محللي "مورجان ستانلي" أن، "السعودية لديها واحدة من أقوى آليات نقل ارتفاع أسعار النفط إلى النشاط الاقتصادي في أي دولة من دول المنطقة والشرق الأوسط وإفريقيا، ويبدو أن توقعات نموها هيكلية، ومن المرجح أن تستمر أعواما عدة". هذه هي العبارة التي تعكس حالة السوق المالية، والفرق بين ارتفاعات عام 2006 والارتفاع الآن.
المستثمرون اليوم يدركون أن الربط والتفاعل بين أسعار النفط وحالة السوق، أصبح طرديا وليس عكسيا، ذلك أن أدوات الاقتصاد السعودي وممكناته قد تغيرت تماما، وظل يتحور حولها عدة محركات ليست السوق النفطية سوى واحد منها، ولهذا فإذا تفاعلت جميع المحركات - كما هي الآن - فإن السوق ستعكس الوقائع تماما. ودون شك، فإن لرؤية المملكة 2030، وبرنامج التحول الوطني، والتوازن المالي، الأثر الأبرز في هذا التطور المهم.
إنشرها