Author

تقييمات واقعية .. انتعاش ونمو

|

إذا أمعنا النظر في مؤشرات البيان التمهيدي لموازنة 2022، التي أفصحت عنها وزارة المالية خلال الأسبوع الماضي، عن توقعات نمو الاقتصاد السعودي للعام الجاري إلى 2.6 في المائة، ومن المتوقع أن يصل النمو إلى 7.5 في المائة في 2022، سيكون في حدود 3.6 في المائة في عامي2023 و2024، ومقارنة بالتوقعات التي صدرت عن صندوق النقد الدولي من مؤشرات، فإن توقعات الصندوق تتوافق مع تنبؤات وزارة المالية بشأن النمو خلال هذا العام 2021، بل إن الصندوق أكثر تفاؤلا، حيث يتوقع نموا لهذا العام يبلغ 2.8 في المائة، وذلك بعد أن كانت توقعاته تشير إلى نمو قدره 2.4 في المائة في تقريره الصادر في تموز (يوليو) الماضي، بزيادة 0.4 في المائة.
إن هذا التفاوت وإن كان في الحدود المعقولة لطبيعة التنبؤات عموما، لكنه يشير إلى مصداقية تنبؤات المالية السعودية، وأنها تعتمد على معطيات واقعية بعيدة عن التشاؤم المفرط أو الإفراط في التفاؤل، بل هي تقييمات لواقع الاقتصاد بناء على معطياته وحجم العمل الحقيقي الذي يبذل في الداخل السعودي من خلال تبني مجموعة واسعة من الإصلاحات الحقيقية للقطاع غير النفطي الذي تمكن من النمو بشكل قوي. على الجانب الآخر، نما القطاع غير النفطي 8.4 في المائة، وهو الأفضل منذ الربع الثاني 2011 "أي خلال عشرة أعوام"، مدعوما بخطط تحفيز حكومية ساندت القطاع سريعا مع بدء تفشي الجائحة، ما ساعد على عودته إلى النمو.
كما نما القطاع الخاص 11.1 في المائة، والقطاع الحكومي 2.3 في المائة خلال الربع الثاني من العام الجاري على أساس سنوي، فالنمو شامل للقطاعات الاقتصادية كافة، على الرغم من أن القطاع النفطي لم يكن في عامه الأفضل على كل حال بسبب الجائحة والتعهدات السعودية لمجموعة "أوبك +" لتحقيق التزام جماعي بالحصص، والمحافظة على نمو السوق بشكل إيجابي. وهنا يأتي الفرق بين توقعات الصندوق والمالية العامة للعام المقبل، فصندوق النقد الدولي يتوقع نموا متزامنا مع النمو العالمي بواقع 4.8 في المائة، بينما يتوقع نموا عالميا في الأسواق الصاعدة 5.1 في المائة، ما يشير إلى أن المملكة ستكون أهم الدول لقيادة النمو العالمي، وقريبة جدا من الصين "5.1 في المائة" وأفضل من روسيا والمكسيك وعدد آخر من الدول ذات الاقتصادات الصاعدة، لكن هذا يقل كثيرا عن توقعات وزارة المالية السعودية التي تتوقع نموا يصل إلى 7.5 في المائة في 2022، وذلك أن الاقتصاد السعودي في حالة انتعاش بتكامل مكوناته كافة، حيث من المتوقع أن تستمر أسعار النفط في مستوياتها الحالية البالغة 80 دولارا حتى الصيف المقبل إذا لم تتجاوز ذلك مع دخول الشتاء، ما يعزز مشاركة القطاع النفطي التي كانت السبب في تراجع النمو الحالي لتراجع نمو القطاع بنحو 6.9 في المائة، كما أن تقرير صندوق النقد الدولي يقارن نمو الاقتصاد السعودي في ظل معطيات عالمية وليس من خلال حجم الإنفاق المحلي المتوقع.
وقد أشار ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى أن الاقتصاد السعودي مقبل على انتعاش كبير نظرا إلى حجم الاستثمارات الداخلة فيه من جوانب عدة، حيث من المتوقع ضخ استثمارات تقدر بنحو 27 تريليون ريال حتى 2030، وهذا الإنفاق الضخم يتزامن مع تدشين عدة استراتيجيات، كان آخرها الاستراتيجية الوطنية للاستثمار، فالأساس الذي استندت إليه وزارة المالية أكثر ارتباطا بواقع السعودية من تلك التي استند إليها تقرير صندوق النقد الدولي، الذي تأثر بقضايا عالمية تجاوزتها المملكة، من بينها تفاوت إجراءات الدول منخفضة الدخل لمقابلة الجائحة، وما تواجهه مجموعة الاقتصادات المتقدمة من اضطرابات في الإمداد، كما أبدى التقرير الدولي قلقه من التفاوت في الآفاق الاقتصادية بين الدول بسبب "فجوة اللقاحات الكبيرة" والتفاوتات الواسعة في الدعم المقدم من السياسات.
ووفقا للتقرير الدولي حصل نحو 60 في المائة من سكان الاقتصادات المتقدمة على جرعات اللقاح الكاملة، وبعضهم الآن بصدد الحصول على جرعات معززة، ولا يزال نحو 96 في المائة من سكان الدول منخفضة الدخل دون تطعيم، لذلك عند تصنيف المملكة في هذا الجانب، فإنها في مصاف الدول المتقدمة، ولهذا فإن النمو الاقتصادي سيكون في المسار نفسه إذا لم يكن أفضل من ذلك، لأن التقرير الدولي يشير إلى مشكلة التضخم في مجموعة الاقتصادات المتقدمة، وأنه ينبغي أن تكون البنوك المركزية مستعدة لاتخاذ إجراء سريع إذا أصبحت مخاطر لتوقعات ملموسة، لكن مع مثل هذه الاضطرابات التي تواجهها الاقتصادات المتقدمة، نتيجة الدعم الذي جاء متزامنا مع مشكلات اقتصادية سابقة، فإن الاقتصاد السعودي لم يزل في طور التعافي من أزمة تراجع النفط، وهو في طريقه للانتعاش، ولذلك فإن النمو المتوقع لن يتأثر بما سيتأثر به كثير من دول العالم، ولهذا تبقى توقعات المالية العامة السعودية الأقرب للصواب. حتى مع هذا التفاوت في حجم النمو للعام المقبل، فإن الحقيقة الماثلة التي يؤكدها التقرير الدولي أن الاقتصاد السعودي سيكون في مسار انتعاش شامل وآمن.

إنشرها