Author

مجرد تجربة

|
ما حدث قبل أسبوعين تقريبا من انقطاع بعض تطبيقات التواصل لساعات لم يكن مزعجا، ربما تسبب في إرباك وخسائر لبعض المنشآت التي وضعت بيض الاتصال والتواصل أو التسويق في سلة واحدة، لكني أحسبه على المستوى الفردي كان تجربة، مجرد تجربة، أحبها من أحبها، وتذمر منها من تذمر.
أجمل ما في الأمر أنني لم أعرف مباشرة كما عرف أغلبية الناس، كنت في متجر كتب عريق وتراثي، وصادف أن دخل صديق وكاتب في هذه الجريدة وكان سعيدا بالحدث وهو من أخبرني بالعطل أو الانقطاع.
من لم يعرفوا إلا متأخرين ربما يكونوا الأقل إدمانا أو اعتمادا على هذه التطبيقات، وهذا لا يعني أنها ليست ضرورية أو باتت جزءا من يومنا، بشكل أدق جزءا من اتصالنا وتواصلنا، لكن البعض أوغل في اعتبارها جزءا من ذاته أو حياته وبالتالي عندما فقدها ربما يشبه حاله من فقد شذرة من هذه الذات أو الحياة.
لم يكن الاضطراب بالنسبة إلى الشخص المتوازن هو من انقطاعها، الاضطراب في الحقيقة هو في كثرتها ومحاولة اللحاق بها أو الاعتماد عليها في كل شيء، ولعل الحدث كان فرصة لأنه كان بمنزلة التمتع بالهدوء بعيدا عن هذا الاضطراب.
لم أفهم مبالغة البعض في استخدام عبارة "انقطاع الاتصال عن العالم" فالهواتف كانت تعمل، والرسائل النصية تعمل، وكان يمكن لمن أحب أو أراد أن يتواصل مع من هو غال عليه، أو هو مهم لديه لعمل أو معيشة.
التجربة أزالت بعض الزخارف التي زينت بها التطبيقات نفسها وأبهرت الناس، وهي تجعل المتأمل ينظر إلى تعدد أصحاب المصلحة في هذا العالم الافتراضي، وإلى وجود لاعبين لا يمكن معرفتهم أو تتبعهم سواء داخل الشركات المالكة والمشغلة أو حتى خارجها، خارجها الظاهر، أما "بواطن" العلاقة بين الشركات وبين من هم في "الخارج" فسيكشفها التاريخ.
كتبت غير مرة عن الصيام الإلكتروني عن الأجهزة الذكية، أو معاملتها أحيانا كجهاز هاتف فقط، وأحسب أن الصيام الإجباري الذي اضطر له البعض كان بابا للتفكير في صيام اختياري بين فترة وأخرى لعيش التجربة، أو استعادة طعم وملامح الحياة دون هذا الإحساس بالاعتمادية النفسية وربما العملية على تطبيقات هي في النهاية في أيدي "الغير"، وقد يأتي يوم يعلقونها، أو حتى قد يأتي اليوم الذي تتعطل كليا وتخرج من السوق وحياة الناس نهائيا.
لقد كانت مجرد تجربة، لا أكثر ولا أقل.
إنشرها