Author

تغير إعدادات

|

لا تزول وتفنى بعض السمات الاجتماعية إلا بسمات بديلة، وهذا الأمر يندرج أو ينطبق على العادات والسلوكيات الفردية، وربما أسهم في إزالة ما رسخ من أنساق في العقل الجمعي التي هي في الأساس أحد أهم الدوافع للأفكار والسلوكيات الفردية.
في كل مجتمع، هناك ما يمكن عده "ثوابت طارئة" تنشأ في الأغلب من التغيرات الحادة في مسيرة هذا المجتمع، التغيرات السلبية مثل حرب أو مجاعة، والإيجابية - نسبيا - مثل طفرة من أي نوع، ومع الوقت الذي بمقياسي يمكن تحديده بجيلين على الأقل يتكون عقل جمعي يجعل من هذه "الطارئة" دائمة الحضور، لتصبح من جديد دافعا لسلوكيات فردية تغذيها وتتناغم معها، وعند ترسخ هذا الحضور، يتشكل نموذج نسقي كامن يمكنني تشبيهه بـ"إعدادات المصنع" لأي جهاز أو سيارة.
أسقط هذه الخواطر على جزئية العمل والإنتاج وثقافتهما في مجتمعنا التي يمكن اعتبارها مرت سريعا بين "اللا عيب" في أي عمل منتج، ثم العيب في كثير من الأعمال اليدوية والمهنية، ثم العودة الأبطأ، وعلى استحياء، إلى المربع الصحيح، مربع "اللا عيب".
أكتب بعد إعلان انخفاض معدل البطالة في المملكة إلى أدنى مستوى خلال عشرة أعوام لأول مرة، وذلك وفقا لتقديرات مسح القوى العاملة الذي تجريه الهيئة العامة للإحصاء بشكل ربع سنوي، حيث انخفض المعدل بين السعوديين إلى 11.3 في المائة، وهو الحد الأدنى منذ تلك الفترة.
لا شك أن الجهود الحكومية ممثلة في وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية خصوصا في مجال التوطين، أسهمت في تحقيق ذلك جنبا إلى جنب مع برامج الدعم والتمكين، إضافة إلى جهود الجهات الإشرافية الأخرى على الرغم من الأزمة العالمية المترتبة على جائحة كورونا، وهنا نسجل لبلادنا بجميع قطاعاتها النجاح في إدارة الأزمة، والتقليل من تبعاتها على كل الأصعدة، وفي مقدمتها الصعيد الاقتصادي.
وعودا على بدء، فإن اشتغال الشباب من الجنسين في مهن خرجت من دائرة "العيب" أو دوائر "الحظر" الواهية الواهمة التي رسختها حقبة هيمنة فكر معين، لا بد أن يكون قد أسهم جزئيا في هذا الانخفاض، وأصبح لدينا ما يمكن وصفه رفض الإعدادات النسقية أو المبرمجة وقيام كل فرد أو أسرة أو مجتمع صغير بوضع إعداداته الخاصة.
بالطبع لا تزال هناك رواسب ليست قليلة، لكن يبدو لي من مراقبة سلوكيات الجيل الجديد أن هناك استجابة أكبر وأكثر للتنقية التي ستنجح مع الاستمرار ومع تحقق المرونة الاجتماعية، واحترام خيارات وحريات الأفراد.

إنشرها