Author

انحسار ضمائر التأنيث باللغة الإنجليزية .. ماذا عن العربية؟

|
أستاذ جامعي ـ السويد
تحتل شؤون اللغة والخطاب حيزا مهما من مقالنا الأسبوعي. وأنا ألج في هذا الباب، أضع هدفين أمام ناظري: الأول، تعريف القارئ بآخر الأبحاث والتطورات في حقل اللغة والخطاب، والآخر مدى تأثير هذه التطورات في مستقبل لسان الضاد. وأظن، وبتواضع شديد، أن ما ورد في هذا المقال حول علوم الخطاب وعلوم اللغة كان له شأن. أما ما نشرناه حول أهمية الحفاظ على اللغة العربية وتأكيدنا أن خسارة العرب للغتهم سترقى إلى خسارة الهوية الشخصية والثقافية، فقد كان له وقع.
ونقلت صحف ومواقع مهمة المقالات هذه عن صحيفتنا "الاقتصادية" ومنها صحيفة "اللغة العربية"، التي تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية. ووصلتنا دعوات شخصية لحضور مؤتمرات خاصة بشؤون اللغة العربية لإلقاء محاضرات وأبحاث، وبسبب الوقت والانشغال لم نتمكن من الوجود حتى الآن في هذه الاجتماعات المهمة حقا.
اليوم أكتب لكم عن صراع شخصي أعانيه عند استخدام الضمائر باللغة الإنجليزية، تحدثا وكتابة، ما قد يكون له تأثير في لسان الضاد عند مواجهة واقع اجتماعي مشابه. هذا الصراع يدور حول ضمائر التأنيث، حيث لم تعد هذه الضمائر في الإنجليزية تلبي مطالب ما يجب استخدامه عند الإشارة إلى المؤنث.
واللغة تعكس الواقع الاجتماعي وتسهم في تشكيله، كما أن الواقع الاجتماعي يعكس اللغة ويسهم في تشكيلها. والواقع الاجتماعي في عصرنا هذا، ونحن نستهل مقدم العقد الثالث من القرن الـ 21، يمر في مخاض متشابك وواسع وعريض يصعب على أمهر الباحثين والعلماء سبر أغواره أو التنبؤ بمساراته.
هناك عدة مسارات في حياتنا هي في حالة تفكك وتشكيل من جديد من حيث البناء الاجتماعي للواقع الذي نعيشه، إلا أن ما يحدث على جبهة الميول الجنسية صار له تأثير كبير في استخدام الضمائر في اللغة الإنجليزية.
والتأثير محسوس إلى درجة أن لغويا مثلي له كتاب واسع الانتشار حول الأخطاء الشائعة عند الكتابة باللغة الإنجليزية وفيه فصل عن اللغة الجنسانية، أرى نفسي أحيانا في حيص بيص، حائرا في انتقاء ضمير الغائب الموائم عند التحدث أو الكتابة إلى طلبتي.
وفي عدد من الجامعات الغربية وصل الأمر ببعض الأساتذة إلى سؤال الطلبة حول الضمير الذي يرغبون فيه عند مخاطبتهم، كي لا يتهموا في النهاية أنهم معارضون أو معادون للمساواة الجنسية الجسمانية، والمساواة الجنسانية من حيث اللغة.
شخصيا أعزف عن إثارة مسائل كهذه في الصف، لذا كان قراري هذا العام استخدام ضمير الغائب للجمع المذكر في الإنجليزية they للدلالة على المذكر والمؤنث والمفرد والجمع، علما أن ليس هناك ضمير غائب للمثنى المذكر أو المؤنث في الإنجليزية كما هو الحال في العربية.
يبدو لي أن ضمائر الغائب التي تشير إلى المفرد والتي تميز بين الذكر والأنثى في الإنجليزية في طريقها إلى الانحسار لأن بناء أو بنية الواقع الاجتماعي في المجتمعات الغربية تمر في عملية تبدل وتغير وأحيانا تحول جذري في بعض المضامير.
قبل أيام ألقيت محاضرة حول الأزمات التي تعصف بعالم اليوم وكيف أن اللغة من السعة بمكان حيث لا تستوعبها فقط، بل تقوم بتوطينها إلى درجة أنها تصبح جزءا من خطابنا اليومي.
وأتيت لهم بمختصر جديد وشائع كمثال وكيف أن هذا المختصر ينمو مع تطور نظرة المجتمع الغربي إلى الميل الجنسي، حيث يحق لأي شخص ليس البوح بميوله مهما انتابها من غرابة، بل حتى الطلب من المخاطب استخدام أطر خطابية وجنسانية توائم الوضع الذي هو عليه.
أمام هذا الزخم الكبير في نمو اللغة لعكس ما يحدث في الواقع الاجتماعي، رأى علماء المعاجم أن اللغة الجنسانية يبدو أنه لا قعر لها وأن المصطلح ربما ينمو بقدر حروف الهجاء أو أكثر.
وكي يوقفوا المختصر من التضخم، ارتأوا إضافة الرمز الحسابي (+) فصار LGBTQI+ للدلالة على أن المختصر من الآن فصاعدا سيضم أي ميول أو ظواهر تطفو على ساحة المجتمع.
ومن هنا أرى أن قراري استخدام ضمير الغائب للجمع والمحايد بين المذكر والأنثى بالإنجليزية they قرارا صائبا لأنه يكفيني شر الصراع مع نفسي ومع طلبتي ولجان الانضباط والمساواة حول أي ضمير يجب علي انتقاؤه للإشارة إلى الميول المختلفة والمتفاقمة لمجتمع الطلبة الذي أقوم بتدريسه.
وأنا أجد حلا لمعضلتي الخاصة في استخدام الضمائر بالإنجليزية، فكرت مع نفسي ماذا كنت سأفعل لو أنني واجهت مجتمعا من الطلبة بناؤه وواقعه الاجتماعي شبيه لما لدي في السويد.
أظن أن المعضلة كانت ستكون كبيرة، لأن لسان الضاد واسع من حيث الضمائر.
ومن ثم فإن لسان الضاد قائم أساسا على ثنائية المذكر والمؤنث ولا وجود لضمائر محايدة كما في الإنجليزية.
ولتكن هذه المعضلة موضوع مقالنا في الأسبوع المقبل.
إنشرها