Author

لغز خسائر الشركات العقارية

|
مجال الاستثمار العقاري من المجالات التقليدية الممتازة والآمنة إلى حد كبير منذ عقود طويلة ولا تزال، بل ربما هو أفضل مجالات الاستثمار في المملكة لعامة الناس، فقد حقق كثيرون ثراءهم من خلال الاستثمار في العقار سواء شراء الأراضي وبيعها أو بناء المساكن وبيعها. نعم، هناك شركات خاصة وأفراد في جميع مناطق المملكة يقومون ببناء المساكن من نوع الفيلا والشقة، ويكسبون من وراء هذا النشاط أرباحا كبيرة ومجزية، وهناك أيضا شركات مساهمة قليلة تحقق أداء معقولا، مثل شركة مكة للإنشاء والتعمير.
وليست الغرابة هنا، بل إن الغرابة تكمن في شركات عقارية مساهمة وضع فيها المستثمرون ثقتهم لإمكاناتها العالية وقدرتها على استقطاب الكفاءات المتخصصة والمتميزة، لكنها تصارع نفسها، فهي إما متعثرة أو ضعيفة الأداء. وفي هذا السياق، يحكي أحد الأصدقاء تجربته مع إحدى شركات العقار المساهمة الكبيرة والمعروفة في السوق، فقد كان أحد المساهمين في التأسيس بسعر 28 ريالا للسهم منذ أعوام طويلة تربو على العقد، وبعد طرحها للاكتتاب العام وتداولها في السوق أخذت اتجاها هابطا لتستقر تحت عشرة ريالات للسهم ردحا من الأعوام، ثم ترتفع قليلا إلى أكثر من عشرة ريالات، وعلاوة على هذه الكارثة الاستثمارية لصاحبنا، فإنها لا توزع أرباحا منذ أكثر من عقد من الزمن تقريبا. وعلى الرغم من هذه المؤشرات السيئة إلا أن صاحبنا لا يزال يحلم بالأرباح وتعويض خسارته لعقدين من الزمن! ومن الغريب أن هذا الأداء المنخفض ليس بسبب تعطل نشاط الشركة أو ضعف السوق، بل إنها تمارس نشاطا ملحوظا كغيرها في مجال التطوير العقاري. ومن الغريب أن انعقاد اجتماعات الجمعية العمومية لا يحرك ساكنا، ما يثير تساؤلات الكثير، مثل: هل المجاملة تطغى على الشفافية والمساءلة؟ ولِمَ لم يطالب المستثمرون عند اجتماع الجمعية العمومية بتقييم أداء الشركة عموما ومجلس إدارتها خصوصا؟ وهل حضور الجمعية العمومية يقتصر على شلة ملاك الشركة الأساسيين وكفى؟! لا أدري.
هذه القصة الحقيقية ليست الصورة الكاملة، بل هي مقدمة فقط، فهناك شركات لم توزع أرباحا منذ تأسيسها، مثل "إعمار مدينة الملك عبدالله"، وشركة جبل عمر، وشركة المعرفة. وهناك شركات توزع أرباحا متدنية.
فعلى سبيل المثال، أُسست شركة جبل عمر في 2006، أي منذ 15 عاما في أقدس بقاع الأرض، وفي مكان يباع فيه المتر المربع بأغلى الأسعار في العالم، لكنها إلى الآن لم توزع أي أرباح. وبالمثل، أُسست شركة إعمار مدينة الملك عبدالله في 2006 على مساحة قدرها 168 مليون متر مربع، ولم توزع أي أرباح على المستثمرين منذ تأسيسها. وهناك شركات لم توزع أرباحا منذ فترة طويلة تراوح ما بين ثلاثة وعشرة أعوام، مثل الشركة العقارية السعودية، وشركة دار الأركان، وشركة طيبة. ولا يقتصر الأمر على قلة الأرباح أو عدم وجودها، لكن يضطر بعض الشركات، مثل شركة طيبة، إلى تخفيض رأس المال مرتين في 2003 وفي 2006.
في الختام، رؤية المملكة 2030 تتطلع إلى تطوير هذا القطاع ليقوم بدوره في التنمية، لكن الاستشعار بضعف هذا القطاع أدى إلى وضع كثير من الأنظمة، وإنشاء شركات مثل "روشن"، من أجل تعزيز الجودة والحوكمة. ولتفكيك لغز ضعف أداء شركات العقار في سوق مزدهرة، هناك حاجة إلى اتخاذ بعض الإجراءات، مثل:
1. تكليف جهة مستقلة بتقييم أداء الشركات المساهمة عموما، والشركات في مجال العقار خصوصا، وذلك حفاظا على استثمارات الأفراد والأسر التي تتبخر مع تراكم الخسائر وارتفاع معدلات التضخم دون أي مردود يذكر.
2. ضرورة التغيير الدوري لأعضاء مجالس الإدارات من خلال استقطاب الكفاءات المتميزة في مجال عمل الشركة.
3. نشر تقارير تفصيلية عن الميزانية والقوائم المالية والمصروفات الإدارية والمصروفات الأخرى بشفافية ووضوح أكثر مما يعلن في الوقت الحاضر.
إنشرها