Author

تفاهمات القطبين .. تهدئة أم مواجهة؟

|

وصلت الحرب التجارية الباردة الدائرة بين القطبين الأكبر سياسيا واقتصاديا وهما الولايات المتحدة والصين إلى ذروتها في سنوات حكم الرئيس السابق دونالد ترمب، الذي رأى البعض في عدد من قراراته قبيل ترك شؤون حكم البلاد العدائية الواضحة تجاه بكين. ووسط حالة الزخم هذه، ظن العديد من المراقبين، أن ثمة تغييرات قد تحدث في العلاقة بين البلدين مع قدوم جو بايدن خليفة لترمب، بيد أن تلك التغييرات لم تكن ملموسة حتى اللحظة الراهنة، فالمؤشرات تقول إن العلاقة تتحدد بالمواقف، وليس بالاتجاه العام للتصعيد المتبادل.
ولقراءة المواقف السياسية العالمية في الوقت الراهن يتضح أن صعود الصين يمثل تحديا أكثر تعقيدا يواجه أي مقبل على عتبة البيت الأبيض، فهي الخصم الأكثر شراسة والند القوي الذي يواجه الولايات المتحدة، ما يتعين على أمريكا أن تجد سبلا للتعايش معها، بدلا من التصعيد المستمر الذي سينعكس على خسارة الطرفين بلا محالة.
ولا شك في أن الحوار بين الولايات المتحدة والصين في ظل وجود إدارة جو بايدن في البيت الأبيض، يتسم بعدائية أقل مما كان عليه في عهد إدارة دونالد ترمب السابقة. وهذا ما اتضح في الأشهر القليلة الماضية، عندما فتحت إدارة بايدن حوارا متجددا، وعقدت اجتماعا مع كبار المسؤولين الصينيين في الأسابيع الأولى لتسلمها إدارة الولايات المتحدة. صحيح أن هذا الاجتماع الذي عقد على مستوى الوزراء لم يحقق شيئا عمليا، لكن الصحيح أيضا أنه أبقى الحوار مستمرا أو حتى متقطعا، وهذا أمر مطلوب في العلاقات الدولية، بصرف النظر عن طبيعتها، ومستوياتها، ومشكلاتها.
وعلى الرغم من أن المسؤولين الصينيين كانوا يعلقون آمالا كبيرة على خروج ترمب ووصول بايدن إلى الحكم، إلا أن الثمار التي كانوا يأملونها لم تأت بعد، فالإدارة الديمقراطية الداعمة للحوار المستمر مع الصين، ليست مختلفة من حيث رؤيتها لما صار يعرف بـ"المخالفات الصينية" عن الإدارة الجمهورية. ولأن بايدن يفضل الحوار الذي يخفف من حدة التوتر، دون أن يؤدي إلى تنازلات كبيرة، أو أي نوع منها، فقد تم الاتصال الهاتفي المباشر المهم جدا بينه وبين الرئيس الصيني شي جين بينج الذي استمر لـ90 دقيقة، وسعى الرئيس من خلاله إلى تجنب تحول المنافسة بين أكبر اقتصادين في العالم إلى صراع.
حتى الآن بلغت الخلافات حد المعارك التجارية، بعض الجهات تصفها بـ"الحرب التجارية"، وقد استعرت هذه الحرب بقوة في عهد دونالد ترمب، الذي كان يفضل المواجهة المباشرة أكثر من الحوار الطويل الأجل. الرئيس الأمريكي الحالي ربط أي تقدم في العلاقات مع بكين بفترة التجربة التي تلي أي اتفاق تفاهم قد يصل إليه الطرفان، علما بأن هذا التفاهم المأمول لا يزال بعيدا عمليا، وإن كان ممكنا نظريا حتى الآن.
المهم أن تكون الجهود لإدارة المنافسة بمسؤولية حاضرة على الساحة، فقد تعهد الرئيس الأمريكي بذلك في اتصاله مع نظيره الصيني، ولم يشمل هذا الاتصال كل القضايا العالقة، الأمر الذي يساعد على رصف الطريق نحو محادثات شاملة في المستقبل.
الولايات المتحدة بحثت فقط في استراتيجية شملت المجالات التي تلتقي فيها مصالح البلدين، لكنها ركزت على ثلاث قضايا وهي: الاقتصاد، وتغير المناخ الذي يولي بايدن أهمية كبيرة له، وجائحة كوفيد - 19 التي شغلت ولا تزال تشغل العالم أجمع.
أي أن هناك تفاصيل أخرى لو تم التركيز عليها لفشل أي اتصال بين واشنطن وبكين، وهي تلك التي تخص هونج كونج، وحقوق الإنسان في الصين، والانتشار العسكري الصيني في مناطق آسيوية، تنظر إليها واشنطن على أنها تحركات تصنع التوتر على الساحة العالمية. بالطبع لا أحد يتوقع أي حلول للمشكلات العالقة بين الاقتصادين الأكبر في العالم، سواء عبر هذا الاتصال الرئاسي، أو غيره من الاتصالات، فهذه المشكلات لا تزال موجودة، بما في ذلك الزيادة الجمركية على بضائع الطرفين التي فرضتها إدارة دونالد ترمب، بينما لا تزال الصين تتجاهل بحسب الولايات المتحدة، والدول الغربية، عموما كل المطالبات العالمية لها بالتوقف عن الاعتداء على حقوق الملكية الفكرية.
لكن الحوار المتواصل يبقى منفذا مطلوبا، لحسم كثير من المشكلات، ولا سيما الاقتصادية منها، لأنها تؤثر بقوة أكبر حاليا في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية الناجمة عن جائحة كورونا، فهذه القضية الدولية تحتم التعاون لمواجهة تداعياتها الاقتصادية، والأجواء متوافرة الآن بوجود إدارة أمريكية، يمكنها أن تصل إلى اتفاقات عملية وواقعية عبر الحوار، وليس عن طريق المواجهات التجارية التي تعمق في بعض الأحيان الأزمات.

إنشرها