default Author

التفكير في التفكير

|
لم يعد تعليم التفكير في العالم كافة لصناعة جيل من الرواد والعلماء، الذين يرتقون بأوطانهم ويصنعون مستقبلها، هو الشغل الشاغل لعلماء التربية، بل تعدى الأمر إلى تعليم جودة التفكير التي تمنح الإنسان القدرة على التفاعل مع مشكلات الحياة ومتغيرات العصر المتسارعة والمتنوعة، بعد أن أصبح العالم غرفة صغيرة لا تفصلك عن من يبعد عنك آلاف الكيلومترات إلا ثوان من الزمن، وكذلك تكسبه مهارة تحليل المواقف واتخاذ القرارات باستخدام جملة من الاستراتيجيات تعرف بـ«ما وراء المعرفة».
تعود الجذور الفلسفية والتاريخية لما وراء المعرفة إلى أفلاطون، عندما عبر عما وراء المعرفة ضمنيا بقوله، "حينما يفكر العقل، فإنما هو يتحدث إلى نفسه".
أما في العصر الحديث، فيعود إلى الباحث جون فلافيل، الذي يعد رائد التفكير ما وراء المعرفي، الذي لاحظ أن الطلاب الذين يعانون صعوبات التعلم لا يكونون في الأغلب على وعي تام بما ينبغي لهم تعلمه، ويتصرفون عشوائيا دون وعي بالمهارات أو الاستراتيجيات والأساليب المعرفية التي عليهم اتباعها في عملية التعلم.
ويعرفه شراو ودينيس بأنه الوعي في إدارة المتعلم لعملياته المعرفية من خلال استخدام مهارات التخطيط والمراقبة والتقويم واتخاذ القرارات وتوظيف الاستراتيجيات المناسبة.
ويعد من أعلى مستويات التفكير وأعقدها، حيث يرتبط ارتباطا وثيقا بمراقبة الفرد لكيفية استخدامه عقله، وتفكير الفرد في تفكيره الخاص ويتضمن معرفته بنفسه من خلال تحديد ماذا يعرف؟ وماذا تعلم؟ وما الذي يستطيع عمله لتحسين تعلمه وتحصيله؟
فمثلا، تجد من يحرص على أن يقرأ عشرات، بل مئات الكتب سنويا، ويفخر بسرعته في القراءة دون مراعاة للاستيعاب، معتقدا بذلك أنه قد حصل على المعرفة الكافية، ويسعى إلى تصنيف نفسه ووضعها ضمن العلماء والمثقفين والفلاسفة، ويبدأ في التنظير.
ولكن الواقع خلاف ذلك، فهو بقراءته السريعة غير المتأنية، لن يحصل على كل المعرفة التي يحتاج إليها من الكتب، إذ تتطلب القراءة الناجحة استخدام استراتيجيات ما وراء المعرفة، وهي أن تتأنى في القراءة، حتى تتمكن من سماع صوت النصوص، وتشعر بحركة الجمل، وتختبر متعة الكلمات وتتحسس المقاطع التي تخاطبك، وتفكر بعمق في الأفكار الجديدة، لتتمكن من تحسين معدل الاحتفاظ بالمعلومات، وتكون على دراية بعمليات التفكير الخاصة بك وتفكر في تفكيرك.
يقول فرانسيس بيكون، "بعض الكتب يجب تذوقه، والبعض الآخر يتم ابتلاعه، وآخر يتم مضغه وهضمه".
إنشرها