Author

هل الظاهرة «الهندوأمريكية» .. تنقذ الاقتصاد الأمريكي؟

|

المقصود بالظاهرة الهندوأمريكية مجموعة العقول الهندية ذات الجنسية الأمريكية التي تدير أكبر مؤسسات المال والأعمال في الولايات المتحدة، كذلك يقصد بالظاهرة الجيل الثاني من العقول الهندية - الأمريكية التي أخذت وضعها في الصفوف المرشحة لتولي كبرى المناصب القيادية في الشركات الأمريكية، ومن هذه العقول التي تبوأت منصبها القيادي سوندار بيشاي الذي يعمل في جوجل منذ 12 عاما، وكان سوندار مديرا لقسم أندرويد الذي ينتشر في نحو 80 في المائة في الموبايلات في كل دول العالم.
في 2014 حاولت شركتا ميكروسوفت وتويتر اختطاف سوندار بيشاي من جوجل، ولكن جوجل تنبهت إلى هذا الاختطاف، فباشرت برفع راتب سوندار بيشاي إلى 50 مليون دولار في العام حتى تقطع الطريق على ميكروسوفت وتويتر وغيرهما من الطامعين في نقل خدماته، وتتوقع سوق العمل الأمريكية أن يصل راتب سوندار بيشاي السنوي إلى 100 مليون دولار، وعندئذ يتجاوز راتبه راتب رئيس ميكروسوفت المهندس ساتيا ناديلا الهندي الأصل الذي يتقاضى 85 مليون دولار، وهكذا فإن المديرين التنفيذيين في الشركات الأمريكية الكبرى هم من أصول هندية.
وعلى الرغم من أن صعود سوندار بيشاي إلى قمة هرم جوجل يثير الدهشة والإعجاب، فإنه ليس الرئيس التنفيذي الهندي الأصل الأوحد، فقد أشرنا إلى ساتيا ناديلا الذي يقود ميكروسوفت، وهناك إنديرا نوي رئيسة شركة بيبسي، وشانتاو نارايين رئيس أدوبي، وأجاي بانجا رئيس ماستركارد، وفيكرام بانديت رئيس سيتي جروب، ويقابله آنشو جين رئيس دويتشه بنك، وغيرهم العشرات من الهنود العباقرة الذين يقودون كبرى الشركات الأمريكية العملاقة.
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى توضح الإحصاءات التقديرية أن رواتب 50 من المديرين الأمريكيين التنفيذيين ذوي الأصول الهندية الذين يقودون كبرى الشركات الأمريكية تتجاوز ملياري دولار في العام، وإذا أضفنا رواتب المهندسين وخبراء التقنية من الجاليات الهندية، فإن دخولهم السنوية ستتجاوز كل تحويلات الباكستانيين في الخارج التي لا تزيد على 20 مليار دولار في العام، أو خمسة أضعاف تحويلات الأردنيين التي لا تتجاوز أربعة مليارات دولار، أو ضعف تحويلات البنجلادشيين العاملين في الخارج التي لا تزيد على عشرة مليارات دولار.
ويقول الإعلامي فريد زكريا الهندي الأصل الذي يحمل اسما عربيا فصيحا وكان رئيس تحرير مجلة "تايم الأمريكية" وهو صاحب البرنامج التلفزيوني الشهير في (سي إن إن) في كتابه (عالم ما بعد أمريكا): إن العبقرية الهندية هي التي فرضت نفسها بمنطق الجدارة وليس العنصرية أو العرقية، وأضاف فريد زكريا قائلا: لقد عملت أمريكا على عولمة العالم، ونسيت أن تعولم نفسها، فأمريكا التي علمت العالم عادت لتتعلم من العالم، وفي مقال آخر بعنوان "الهنود قادمون" يرد فيه فريد زكريا على العنصريين الأمريكيين، وأشار إلى قائمة تضم أكثر علماء الإدارة تأثيرا في العالم، وكان من بينهم ستة هنود، وفي ذلك العام احتلت الهند المرتبة الثانية بعد أمريكا في عدد علماء الإدارة العظماء، بينما احتلت بريطانيا التي استعمرت الهند لعدة قرون المرتبة الثالثة بعد الهند، ويقول فريد زكريا: حتى لا ينسى علماء الإدارة، فقد جاء على رأس قائمة الهنود براهالاد مؤلف كتاب (التنافس على المستقبل)، وراما تشاران مؤلف كتاب (التنفيذ)، وهذان العالمان ذوا الجذور الهندية يؤكدان علو كعب الإدارة الهندية على مستوى العالم، كما أن كتاب (نهج الهند) الذي اضطلع بتأليفه أربعة من أساتذة كلية وارتون للأعمال سلطوا الضوء على أربعة أسباب لتفوق الإدارة الهندية وهي: العمل الشاق، والاندماج في العمل، وسرعة التكيف مع المتغيرات، وتحقيق الإنجازات بالموارد المحدودة، والتركيز على القاعدة أكثر من التركيز على القمة.
إن أهم شروط الإدارة الهندية التي أثبتت تفوقها من خلال مجموعة كبيرة من الإداريين الذين تسنموا بعض الوظائف العليا في الشركات الأمريكية هو اهتمامها بثقافة المشاركة، وقبول الآخر، وقيم الالتزام، وأخلاق العمل، فضلا عن نظام التعليم التنافسي الذي يهتم بالعلوم العلمية كالرياضيات والهندسة أكثر من العلوم النظرية المعيقة.
والسؤال المهم الآن: هل تنقذ الظاهرة الهندوأمريكية الاقتصاد الأمريكي من مخالب الحرب التجارية المعلنة بين الصين والولايات المتحدة؟.
لقد اتهمت الولايات المتحدة منافستها الصين بنقض الاتفاق التجاري الذي أبرم بينهما في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، وقال الرئيس الأمريكي جو بايدن: إنه لا يعتزم إلغاء الرسوم الجمركية التي فرضها ترمب بنسبة 25 في المائة على نصف واردات الصين بشكل فوري، ولن يتخذ إجراء فوريا لإلغاء اتفاق المرحلة 1، وفي ظل هذه التحديات تسارع نمو صادرات الصين وزاد الطلب على السلع المصنعة، وعلقت الإدارة العامة للجمارك في الصين على هذا الوضع بقولها: إن الصادرات بالدولار ارتفعت 32.3 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
وفي ظل هذا التنافس الحاد بين الولايات المتحدة والصين، هل تحجز الظاهرة الهندوأمريكية لنفسها دورا لإنقاذ الاقتصاد الأمريكي من التراجع؟! فالإجابة عن هذا السؤال واضحة، وهي أن الولايات المتحدة تستعين بعباقرة العقول الهندية المستنيرة من خبراء وعلماء في الاقتصاد والتجارة، أو في أي مجالات أخرى تدعم الموقف الأمريكي في هذا الصراع الدائر والممتد الذي يتوقع أن يستمر مستقبلا بين الدولتين المتنافستين على زعامة العالم سياسيا واقتصاديا.

إنشرها