الجائحة وآفاق النمو في الصين «2 من 2»

منذ رفع الإغلاق في ووهان في أوائل نيسان (أبريل) 2020، تمكنت الصين من منع أي فاشية محلية كبرى والإبقاء على عدد حالات الإصابة المؤكدة بعدوى كوفيد - 19 عند خانة العشرات المنخفضة. وتصور كثيرون أن الصين كانت في طريقها إلى القضاء التام على الإصابات المحلية بعدوى فيروس كورونا.
تبددت هذه الآمال الشهر الماضي، عندما جاءت نتيجة الاختبارات إيجابية لعديد من عمال المطار في نانجينج في إطار فحص روتيني. وفي غضون أيام، انتشر متحور دلتا الشديد العدوى إلى 22 مدينة في عشر مقاطعات. وارتفع إجمالي الحالات المؤكدة في الصين من 251 في 16 تموز (يوليو) إلى نحو ألفين.
استجابت الحكومة، التي لا تزال على التزامها بخفض الإصابات إلى الصـفر، بسرعة، فأغلقت المناطق العالية الخطورة، وشددت القيود المفروضة على السفر في المناطق المتوسطة الخطورة، وعزلت في الحجر الصحي نحو 100 ألف شخص. لكن حالات مماثلة حدثت من قبل، وإن كان ذلك على نطاق أصغر. ولأن قسما كبيرا من العالم لم يتلق التطعيم بعد، ومع ظهور متحورات من الفيروس شديدة العدوى على نحو متزايد، فستتكرر مثل هذه الحالات بلا شك.
إن التكاليف الاقتصادية المترتبة على عمليات الإغلاق هذه - بما في ذلك القيود المفروضة على السفر الدولي - باهظة للغاية. ولهذا يزعم بعض علماء الفيروسات والأوبئة والاقتصاديين أن الصين ينبغي لها أن تتخلى عن سياسة عدم التساهل مع أي احتمال لانتشار العدوى، وأن تتعلم كيف تتعايش مع الفيروس.
لكن المقاومة لهذا النهج تظل قوية، خاصة أن النهج الصارم الذي تبنته الصين - المدعوم بترتيبات مؤسسية وتقاليد ثقافية - نجح في الإبقاء على الصين خالية تقريبا من كوفيد - 19 لعدة أشهر. ورغم أن التكاليف مرتفعة، وخاصة فيما يتصل بالسياحة والخدمات المرتبطة بالسفر، فإن الصين قادرة على تحملها.
الأمر الأكثر أهمية أن الطريق لا يزال طويلا أمام الصين لتطعيم سكانها. فرغم أنها أعطت حتى الآن 1.9 مليار جرعة من اللقاح - أغلبيتها من لقاحيها، سينوفاك وسينوفارم، وكل منهما يعطى على جرعتين - فإنها تحتاج إلى تطعيم أكثر من 83 في المائة من سكانها قبل الوصول إلى مناعة القطيع، وفقا لتشونج نانشان؛ كبير خبراء الأوبئة في الصين.
علاوة على ذلك، نظرا للتساؤلات حول فعالية اللقاحات التي تعطى للناس حاليا في الأمد البعيد، فقد يستغرق توفير جرعات معززة أو تطوير بدائل أكثر فعالية وقتا أطول. حتى لو تمكنت الصين من تلقيح نسبة كبيرة بالقدر الكافي من سكانها بلقاحات فعالة، فإنها تشكل جزءا من عالم تحكمه العولمة، حيث معدلات التطعيم في عديد من الدول منخفضة للغاية.
من الآمن أن نقول إن المعركة ضد كوفيد - 19 لا تزال بعيدة عن نهايتها. وهذا يعني أن ظهور مزيد من فاشيات فيروس كورونا الصغيرة النطاق في الصين - مع ما يصاحبها من ارتباكات اقتصادية - أمر لا مفر منه. وعلى هذا فمن المرجح للغاية أن يكون النمو الإجمالي في الصين في 2021 أقل من توقعات السوق السابقة.
هذا لا يعني التقليل من أهمية السياسة المالية والنقدية. فمن الممكن أن يقطع نهج أكثر توسعية شوطا طويلا نحو التعويض عن التأثير الاقتصادي الناجم عن الجائحة. على وجه الخصوص، يحتاج عديد من الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم التي تضررت بشدة من الجائحة إلى المساعدة بصورة ملحة، ولا يزال بوسع الحكومة أن توفر حيز السياسات اللازم لتقديم هذه المساعدة. الواقع أن الصين، بالاستعانة بالمزيج الصحيح من السياسات، قادرة على تحقيق نمو جيد إلى حد معقول في النصف الثاني من 2021 وما بعده.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2021.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي