متحور دلتا يطارد آسيا وينهك سكانها

شهدت آسيا أخيرا استفحالا خطيرا لجائحة كورونا، جعلت دولها تعود إلى المربع الأول، وحولت حياة سكانها إلى جحيم بسبب انتشار الموجة المتحورة الجديدة من فيروس كوفيد - 19، وتزايد أعداد المصابين والوفيات، وقرارات الإغلاق الشامل، وتوقف الأعمال والأنشطة وبالتالي انقطاع مداخيل السكان. والمعروف طبقا لمصادر رسمية أنه تم تسجيل أكثر من 200 مليون حالة إصابة بالوباء ونحو 4.25 مليون حالة وفاة على مستوى العالم منذ ظهور فيروس كورونا في الصين في كانون الأول (ديسمبر) 2019، علما بأن منظمة الصحة العالمية تقدر الحصيلة الإجمالية بأكثر من ذلك بنحو مرتين.
آسيويا، يمكن القول: إن نصيب الهند من الإصابات والوفيات كان الأكبر بالأرقام المطلقة، وتحديدا في العام الجاري أي: بعد ظهور ما أطلق عليه المتحور الهندي للفيروس.
واليوم بعدما تراجعت مظاهر الهلع والخوف والاستنفار في الهند نسبيا، نجد أن تلك المظاهر انتقلت فجأة إلى دول آسيوية أخرى كانت قد قطعت شوطا كبيرا في مكافحة الوباء أو كادت الحياة فيها تعود إلى حالتها الطبيعية.
من الدول الآسيوية التي اكتوت بنار كورونا كثيرا إلى حد وصول أعداد الإصابات والوفيات فيها إلى عدة آلاف يوميا: إندونيسيا، التي لا تزال تعاني وتئن تحت وطأة نقص اللقاحات، حيث لم يتم سوى تطعيم نحو 18 في المائة من السكان البالغ تعدادهم 227 مليون نسمة تقريبا، مقارنة بـ 58 في المائة في الولايات المتحدة و69 في المائة في المملكة المتحدة.
وفي تايلاند التي ظلت خلال الأشهر الأولى من تفشي الجائحة عالميا في مأمن منها إلى حد كبير، ما جعل سلطاتها تتراخى في اتخاذ الإجراءات الاحترازية، نراها اليوم تعاني انتكاسة خطيرة بسبب متحور دلتا الذي تسبب في ارتفاع أعداد الإصابات والوفيات اليومية من المئات إلى الآلاف، مجبرة الحكومة على التخلي عن خطط سابقة لإحياء السياحة والأنشطة الرياضية والاجتماعية، بل أجبرتها على إعلان حالة الطوارئ والإغلاق شبه التام وتعليق الرحلات الجوية، الأمر الذي ألقى بظلال قاتمة على اقتصاد البلاد المرتكز على السياحة، وخلو الشوارع والمجمعات والفنادق، وتراجع مداخيل المواطنين.
أما في الفلبين، التي ظلت تفتقر إلى تعامل جاد مع الوباء بسبب ضعف بنيتها الصحية عموما، ووضعها الجغرافي الأرخبيلي المعقد، واستشراء الفساد في منظومتها الطبية "بدليل أن إجمالي عدد المطعمين لا يمثل سوى 9 في المائة من السكان" فإن أرقام الإصابات والوفيات فيها وضعتها في أعلى قائمة دول جنوب شرق آسيا المتضررة، لتتعزز وضعيتها هذه مع دخولها اليوم في معركة مفتوحة مع نسخة دلتا من كوفيد - 19. ومن مظاهر هذه المعركة اتخاذ الحكومة قرارات صارمة بالإغلاق في العاصمة مانيلا وعدد من الأقاليم وإجبار المواطنين على التزام منازلهم، عدا الذين يقومون بأعمال ضرورية، مع تقديم دعم يوازي 80 دولارا لكل مواطن خسر دخله، وذلك من أجل تخفيف الضغط على المستشفيات ومنع التواصل الاجتماعي في مانيلا التي يقطنها 13 مليون نسمة وتشكل ثلث اقتصاد البلاد. ولعل من نافلة القول: إن إجراءات الفلبين هذه لم تضرب السياحة في البلاد فحسب، وإنما تركت أيضا الملايين عاطلين عن العمل وعمقت البؤس وألقت بستار قاتم على الحياة العامة.
حتى في الدول الآسيوية التي نالت العام الماضي إشادة بجهودها من قبل العالم والمنظمات الدولية، وعدت نموذجا لاحتواء الجائحة ومنع انتشارها، مثل اليابان وتايوان، نجد أنها عادت تعاني مجددا مع هيجان متحور دلتا في المنطقة الآسيوية.
ففي اليابان، التي كان تفشي كورونا فيها قليلا عموما "15 ألف إصابة في صفوف السكان البالغ تعدادهم 126 مليون نسمة"، قفزت حالات الإصابة قبيل انطلاق الأولمبياد بأيام إلى أرقام قياسية بسبب متغير دلتا، رغم خضوع ستة أقاليم من البلاد لحالة الطوارئ، حيث وصلت إلى خمسة آلاف إصابة بعد أن كانت ألفين قبل ذلك بأسبوعين.
وعلى الجبهة الكورية الجنوبية، نجد الصورة أكثر هدوءا. فحكومة سيئول، التي حظيت بشهرة واسعة لنجاحها في التصدي لفيروس كورونا مباشرة بعد تفشيه، ما زالت مسيطرة على الوضع الصحي في البلاد، وتفرض قيود التباعد الاجتماعي والإغلاق المبكر وتمنع التجمعات، لكنها تفضل عدم استفزاز المواطنين المنهكين من تبعات الوباء بإجراءات إضافية. وبالأرقام حصدت كورونا أرواح نحو ألفي مواطن من إجمالي عدد السكان البالغ 51 مليون نسمة، وبسبب متحور دلتا تراوح أرقام الإصابات اليومية الآن ما بين 600 و700 إصابة.
أما تايوان ذات الـ 24 مليونا، فقد ظلت حكومتها إلى وقت قريب جدا من أفضل الحكومات الآسيوية من جهة هزيمة الوباء بدليل أنها لم تسجل سوى 12 حالة وفاة، غير أن القلق عاد ليسيطر عليها بعدما تم تسجيل 29 إصابة أخيرا. ورغم أن هذا العدد الضئيل غير باعث على الخوف في دول أخرى، إلا أنه في تايوان يعد أمرا مزعجا.
ونأتي أخيرا للصين التي انطلق منها الوباء، وعادت إلى حياتها الطبيعية دون أضرار كبيرة. ففي الأسابيع القليلة الماضية التي توافقت مع ذروة موسم السفر، تم اكتشاف المتحور دلتا في نحو 16 مقاطعة ومدينة، منها مدن كبرى مثل بكين وشنغهاي. ورغم أن عدد الإصابات لم يتجاوز المئات في بلد يسكنه 1.4 مليار نسمة، إلا أن السلطات بادرت إلى اتخاذ إجراءات صارمة مثل إغلاق المدن ومنع التنقل وفحص الملايين أكثر من مرة ضمن استراتيجية عدم التساهل والقضاء السريع على أي ثغرة تنهك البلاد صحيا، ووسط تساؤلات عما إذا كان اللقاحات المتوافرة كفيلة بالتصدي للنسخة الجديدة من الوباء.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي