Author

انكماش فنمو .. الفائدة والمتحور 

|

 
يبدو واضحا أن هناك مؤثرات سلبية في الاقتصاد الأمريكي من جراء الانتشار المتواصل لمتحور "دلتا"، على الرغم من أنه يعد من أكبر الاقتصادات في العالم ويعد الأكثر تطورا في أدواته. لكن هذه المؤثرات لا تزال طبيعية في مثل هذه الأوضاع، خصوصا مع استمرار عمليات التطعيم التي تشجع عليها الإدارة الأمريكية ضد فيروس كوفيد - 19 وتبذل أقصى جهد لانتشار مفهوم ثقافة أخذ اللقاح بين المواطنين الأمريكيين.

والوضع استثنائي، نظرا إلى انتشار الإصابات، إذ تحتل الولايات المتحدة المركز الأول من حيث عدد الإصابات والوفيات بـ34.9 مليون إصابة و612 ألف وفاة. والسياسات الاقتصادية، التي تتبعها إدارة الرئيس جو بايدن، تبقى ضمن نطاق مجابهة التداعيات التي تركها وباء كورونا على الساحة.

وهذا الأمر ينطبق على مجمل مؤشرات الاقتصاد العالمي، إلا أن الاقتصاد الأمريكي يشكل أحد المؤشرات المهمة عالميا، خصوصا في ظل وجود إدارة أمريكية تضخ أموال الدعم، وتدعم الاستثمارات، وتفتح الأبواب بصورة أكبر. وينتظر أن تبقى السياسة النقدية في الولايات المتحدة على ما هي عليه، ولا سيما في سعر الفائدة، التي فضلت أن تبقيه متدنيا كأداة مساعدة على إعادة تحريك الاقتصاد المحلي. صحيح أن التضخم شهد ارتفاعا ملحوظا خلال الآونة الأخيرة، كما هو الحال في أغلبية البلدان، إلا أنه لا يزال تحت السيطرة - بحسب المسؤولين الأمريكيين. واللافت أن إنفاق الأسر يرتفع بوتيرة سريعة على نحو غير طبيعي.

وبات الوضع مفهوما بالنسبة إلى واضعي السياسة الاقتصادية الأمريكية، الذين كانوا حريصين على عدم التوجه نحو أي تحول نقدي قبل أن يقدموا إخطارا مسبقا، وذلك لتستوعب الساحة أي مؤثرات قد تحدث عبر تغيير في معدلات الفائدة، أو حتى خفض وتيرة شراء سندات الخزينة. مع ضرورة الإشارة إلى وجود ما تم وصفه بـ"اختناقات" سلاسل الإمداد بشكل أكبر مما كان متوقعا بسبب التأثير المباشر لوباء كورونا في هذا الميدان العالمي.

ويعترف مجلس الاحتياطي الفيدرالي "البنك المركزي" بأن مسار الاقتصاد الأمريكي ما زال مرتبطا بانتشار الوباء. فالعودة إلى حراك طبيعي لهذا الاقتصاد تتطلب عودة الحياة إلى طبيعتها على الساحة الأمريكية والعالم عموما. ولذلك، فإن مشاريع الدعم ستتواصل، بما في ذلك استمرار شراء سندات الخزينة والأوراق المالية المدعومة برهون عقارية. كما توجد أهداف محددة أمام إدارة جو بايدن، تتعلق بالدرجة الأولى باستقرار الأسعار وحفظ علاقة الدولار كعملة تعد عالمية وعلاقته بمسار مؤشرات الذهب في الأسواق المالية، إضافة إلى النقطة المهمة التي تشغل أمريكا، المتمثلة في رفع مستوى التوظيف.

وعلى الرغم من الانتشار الأخير لمتحور "دلتا" أمريكيا، واصلت أرقام التوظيف الارتفاع. وبحسب وزارة الخزانة، فإن أهداف التوظيف يمكن أن تتحقق في الأشهر المقبلة، إذا ما تمت محاصرة الوباء ومتحوراته، عبر توسيع رقعة التطعيم. ومن هنا، يمكن فهم القرارات التي أصدرتها المؤسسات الحكومية الأمريكية حتى شركات القطاع الخاص، بإلزامية التطعيم على موظفيها، من كل المستويات. وعلى هذا الأساس، لا يمكن وصف المرحلة الحالية التي يمر بها الاقتصاد الأمريكي على أنها فترة تعاف تام. وفي الواقع، يصعب الحديث عن تعاف واضح في أي من الدول الكبرى.

وما يحدث الآن هو التخلص من الانكماش، وخطوة مهمة جدا لدخول مرحلة تعاف تقود إلى النمو المأمول والمطلوب الذي سيساعد على تحقيق الأهداف كلها، أو أغلبيتها على أقل تقدير. ولا شك أن أكثر ما تخشاه أي حكومة في العالم هو، ارتفاع التضخم في أوقات الأزمات، والزيادة الأخيرة للتضخم جاءت نتيجة عوامل عابرة، بمعنى آخر، أنه لن يشكل خطرا في المدى القريب.

وفي كل الأحوال، لا يزال الأمر برمته مرتبطا بمدى السيطرة النهائية على كوفيد - 19 ومتحوراته التي قيل إنها قد تتجاوز خطورة الوباء الأصلي.

إنشرها